الحرية – نهلة أبوتك:
تطوي مدينة اللاذقية واحدةً من أكثر صفحاتها وجعاً، باتخاذ مجلس المدينة قراراً يقضي بهدم مبنى قيادة الشرطة العسكرية الممتد إلى ساحة الشيخ ضاهر وسط مدينة اللاذقية، وتحويله إلى حديقة عامة تعيد للمكان نبض الحياة، وتفتح أبوابه للضوء بعد سنواتٍ من العتمة والوجع.
فالموقع الذي كان يُعرف في الذاكرة الشعبية بـكابوس فرع الشرطة العسكرية يتحوّل اليوم إلى متنفسٍ عام لأهالي المدينة، بعدما كان رمزاً للخوف ومركزاً لاحتجاز المدنيين خلال فتراتٍ مظلمة من تاريخ اللاذقية، المكان الذي شهد قصصاً مؤلمة لشبابٍ ورجالٍ احتُجزوا فيه قبل نقلهم إلى سجون أخرى، يعود الآن ليحتضن ضحكات الأطفال وأصوات الزائرين بين أشجارٍ وزهورٍ تُعلن بداية جديدة.
وأكد رئيس مجلس مدينة اللاذقية علي عاصي، في تصريح لـ”الحرية”، أن القرار “يأتي ضمن خطة لإعادة تأهيل المساحات العامة وإعادة توظيف المواقع التي كانت مغلقة أو مهملة، بما يخدم الذاكرة الجماعية للمجتمع ويمنح المدينة وجهاً إنسانياً جديداً.
وأضاف عاصي: تحويل مبنى الشرطة العسكرية إلى حديقة عامة يحمل دلالات رمزية كبيرة، فهو ليس مجرد مشروع عمراني، بل خطوة نحو ترميم العلاقة بين المكان والإنسان، وإعادة الثقة بالمكان العام كمصدرٍ للجمال والحياة.
وأشار رئيس المجلس إلى أن الورشات الخدمية والهندسية بدأت العمل على إزالة الأنقاض وتنظيم الموقع تمهيداً لتصميم الحديقة وفق رؤية بيئية حديثة تراعي احتياجات الأهالي وتضم مساحاتٍ خضراء وممراتٍ للراحة ومناطق مخصصة للأطفال، مؤكداً أن المشروع سيتم تنفيذه على مراحل “بما يضمن الحفاظ على الطابع التاريخي للمكان، وتحويله إلى نقطة جذبٍ حضرية نابضة بالأمل.
اليوم، تُعيد اللاذقية المكان لأهله الحقيقيين، ولذاكرتها المتعبة فرصةً جديدة للشفاء، فمن أرضٍ عرفت الألم، ستنبت حديقة للحياة، ومن بين جدرانٍ كانت سجناً، ستنطلق ضحكات الأطفال، في مشهدٍ يكتب عنوانه بوضوح: الحدائق للناس… لا للسجون
بهذا التحوّل، تستعيد المدينة ملامحها الأصيلة، ويُثبت مجلسها البلدي أن الجمال يمكن أن يكون فعلاً إصلاحياً، وأن العدالة والإنسان هما جوهر العمران الحقيقي.