“الزراعة الإيكولوجية” فرصة حقيقية نحو زراعة مستدامة.. ومحاولات الوزارة لم يكتب لها النجاح

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – محمد زكريا:

قبل الولوج في الحديث عن الزراعة الإيكولوجية وفوائدها المحتملة، لابد من التعريف بها، فهي ليست مجرد نظام إنتاج زراعي بدون مبيدات أو أسمدة كيماوية، بل هي نهج بيئي – اجتماعي متكامل يهدف إلى تصميم أنظمة زراعية تحاكي الطبيعة، وتستند إلى المعرفة المحلية، وتدعم المجتمعات الريفية والبيئة في آنٍ معاً، أيضاً هي زراعة تستند إلى العلم والخبرة الفلاحية معاً، وتعيد الاعتبار للتنوع البيولوجي، وللعدالة الاجتماعية، وللسيادة الغذائية.

سعي.. ولكن

وفي التفاصيل، لم تكن الوزارة بعيدة عن ما يقال حول هذا النوع من الزراعات، حيث سعت خلال السنوات الأخيرة إلى تعزيز مفاهيم الزراعة الإيكولوجية، فنُفّذت العديد من المشاريع الزراعية التجريبية، وذلك بالتعاون مع منظمات دولية، والهيئات البحثية، وقد تنوّعت هذه المشاريع بين دعم الزراعة العضوية، والتدريب على تقنيات الزراعة الحافظة، واستصلاح الأراضي المتدهورة، وتجريب أساليب زراعية بديلة تراعي التحديات المناخية والبيئية، لكن رغم الأهداف النبيلة المعلنة، إلا أنه تَكشّف من خلال الممارسة الميدانية، ضعف واضح في الاستمرارية والمتابعة، وغياب آليات حقيقية، وما يدفع للتساؤل الجاد هنا، هل تُنفّذ الزراعة الإيكولوجية كنهج تحويلي حقيقي، أم كمجرد شعار يُستخدم في مشاريع مؤقتة لا تمس جوهر التحديات الزراعية في سوريا؟

تقليل من المدخلات

وحسب ما بينته الخبيرة الزراعية الدكتورة انتصار الجباوي فإن الزراعة الإيكولوجية تسعى إلى تقليل الاعتماد على المدخلات الخارجية (مثل المبيدات المستوردة، البذار الهجينة، الأسمدة الكيميائية)، وتدعو بدلاً من ذلك إلى بناء تربة حيّة، وإلى استخدام أصناف متأقلمة، وإعادة تدوير المواد العضوية، والتفاعل الإيجابي مع النظام البيئي الزراعي.

قابلة للتطبيق

وحول إمكانية تطبيق هذه الزراعة في سوريا، أشارت الجباوي إلى أن البيئة السورية – رغم تحدياتها – مؤهلة لأن تكون أرضاً خصبة للزراعة الإيكولوجية. فلدينا تنوع مناخي وبيئي غني، وموارد محلية يمكن تفعيلها، ومجتمعات فلاحية تملك خبرة عميقة متوارثة، وأزمة حقيقية في كلفة الإنتاج والاعتماد على الخارج، ومن هنا، فإن تطبيق مبادئ هذه الزراعة يمكن أن يكون أحد المسارات الذكية لتخفيض التكاليف، وتحقيق الأمن الغذائي، واستدامة الموارد.
فالزراعة الإيكولوجية ليست وصفة سحرية ولا حلولاً فورية، لكنها مسار حقيقي قابلة للتطبيق في حالات تحقيق شروط معينة منها، في حالة وجد دعم سياسي وفني لها، وفي حالة طُبقت بتجارب محلية مدروسة، أيضاً في حالة وُجّهت البحوث الزراعية والإرشاد نحوها، وبدون هذه الشروط؟ فستبقى مجرد شعارات بيئية على الورق، لا يشعر الفلاح بجدواها.

هي تدعم الفلاح

وأوضحت الجباوي لـ(الحرية) أن هذه الزراعة بإمكانها أن تدعم الفلاح السوري، من خلال تقليل الاعتماد على المدخلات المكلفة، فالفلاح السوري يواجه اليوم عبئاً متزايداً بسبب غلاء البذار والأسمدة والمبيدات، فهذه الزراعة توفّر بدائل محلية، منها إنتاج السماد العضوي من بقايا المحاصيل وروث المواشي، واستخدام بذار بلدية أو محسنة محلياً بدل المستوردة، كما من شأن هذه الزراعة أن تسهم في تحسين خصوبة التربة تدريجياً، حيث تدهور التربة في سوريا بات تهديداً حقيقياً للإنتاج الزراعي، وبالتالي هي تعيد بناء التربة من الداخل عبر زراعة محاصيل تثبّت النيتروجين (كالبيقية والعدس)، كما إن هذه الزراعة تقلل من الأمراض والآفات من خلال التنوع البيئي، فالاعتماد على (monoculture) زراعة صنف واحد يساهم في تفشي الآفات والأمراض، في حين الزراعة الإيكولوجية تعتمد على تنوع المحاصيل، وبالتالي تكون النتيجة: صحة نباتية أفضل، وأمان غذائي أعلى، وتكلفة أقل على الفلاح.
كما إن هذه الزراعة تسهم في تعزيز التسويق المحلي والدخل الريفي، فهذه الزراعة تُشجّع إنشاء أسواق مجتمعية، تعاونية، ومدعومة محلياً، وإن تم الاعتراف بها وبدعم منتجاتها، يمكن فتح قنوات بيع جديدة لمنتجات نظيفة، مرغوبة، وبأسعار عادلة.

أوسع وأعمق

وأضافت الجباوي أنه رغم إن الزراعة العضوية تعتبر جزءاً من النهج الإيكولوجي، إلا أن الزراعة الإيكولوجية أوسع وأعمق من الناحية الاجتماعية والبيئية، لاسيما أن مدخلاتها محلية معاد تدويرها، وتسويقها مجتمعي محلي وبعدها الاجتماعي أساسي، وإطارها مرن، ومتكامل.

أدواتها متعددة

يذكر أن أدوات هذه الزراعة، تتمثل في التنوع الزراعي والدورات الزراعية، إضافة إلى استخدام السماد العضوي والكمبوست، والمكافحة البيولوجية الطبيعية، ومن أدواتها أيضاً تقنيات المياه والريّ التشاركي، أيضاً إعادة استخدام المخلفات الزراعية، وإشراك المجتمع المحلي في القرارات الزراعية.

فرصة حقيقية

فالزراعة الإيكولوجية ليست رفاهية… بل ضرورة، وهي ليست بديلًا مؤقتاً… بل فرصة حقيقية لنظام زراعي أكثر عدالة ومرونة واستدامة، لكن نجاحها يحتاج إلى توجه سليم يفضي إلى بلورة الانتقال إلى هذه الزراعة من خلال تجهيز الأرضية المناسبة وإعداد البرامج الزراعية نحو هذا التوجه.

Leave a Comment
آخر الأخبار