الحرية – رنا بغدان:
يعد كتاب “الأصمعيات” من أشهر كتب الأدب العربي عبر التاريخ ومن أهم المدوّنات الشعرية القديمة، وأبرز مصادرها المرجعية، لاحتوائه على أشهر مختارات الشعر العربي القديم ذي القيمة والذائقة الأدبية واللغوية الجميلة التي تميل إلى الشعر الغريب والمميز، الذي جادت به قرائح رواد الشعر العربي في حقبه الأولى، ويضم قصائد لشعراء من العصر الجاهلي والمخضرم والإسلامي مع التركيز على الشعر الجاهلي.
وتتميز “الأصمعيات” بأنها تضم العديد من القصائد القصيرة والقطع الشعرية، وتعتبر ثانية مجموعات الشعر العربي القديم بعد “المفضّليّات”، وقد أُطلق عليها تلاميذ جامع قصائدها الأصمعي هذا الاسم، وتعتبر موثوقة النسبة لأن الأصمعي هو أحد أشهر رواة الشعر الموثوقين في عصره، وكان يختارها من خلال رحلاته إلى البوادي مباشرة من اللسان العربي الفصيح، كما يلاحظ أثر اعتماد الأصمعي على ذوقه الشعري الخاص في اختيار القصائد والمقطوعات في الكتاب، حيث عبّر مضمونه عن معرفته اللغوية الكبيرة وتجلّت فيها القدرة اللغوية العالية للشعراء المختارين وكان شعرهم في الغالب من الغريب ومما يمكن استخدامه في الشواهد النحوية واللغوية.
ويتألف ديوان “الأصمعيات” من مجلد واحد يضم 256 صفحة، وقد صدر في عدة طبعات مع وجود اختلاف في عدد القصائد والأبيات بين النسخ المختلفة، ولأنه مخصص للشعر العربي في عصوره القديمة فقد ضمّنه المؤلف مختارات لواحد وسبعين شاعراً، بلغ عدد الجاهليين منهم أربعة وأربعين وعدد المخضرمين الذين عاشوا في الجاهلية وعاصروا ظهور الإسلام أربعة عشر شاعراً، فيما كان ستة إسلاميين وسبعة مجهولين وبلغ ما اشتمل عليه الكتاب اثنين وتسعين نصاً شعرياً ما بين قصيدة ومقطوعة، ويلاحظ المتصفّح للكتاب أن عدد المقطوعات فيه كبير ولا يتجاوز عدد أبيات بعضها اثنين، وأن أطول قصائده لا تتجاوز أربعة وأربعين بيتاً.
يذكر أن “الأصمعي” هو أبو سعيد عبد الملك بن قُرَيب بن عبد الملك بن علي بن أصمع الباهلي المعروف بالأصمعي، راوية مشهور وواحد من أئمة علم اللغة والشعر العربيين وعلم البلدان، عاش ما بين (123 هـ 741م و216 هـ 831 م) ولد في البصرة وتوفي فيها، تربّى في أسرة متعلمة وقد هيأت له الظروف فرصة اللقاء بكبار علماء عصره فتتلمذ على أيديهم، وتابع مجالسهم في مدينة البصرة منذ صغره حتى صار علماً من أعلامها، وتطورت في زمنه الحركة العلمية بسبب تمازج الثقافات وتشجيع الخلفاء لها فأسهم فيها إلى جانب من أسهم من العلماء، وتعمقت ثقافته وعلمه واتسع اطِّلاعه، كما استفاد من رحلاته إلى بغداد التي أقام فيها مدة وقرأ في مكة شعر هذيل على الشافعي، وكان كثير التطواف في البوادي، يقتبس علومها ويتلقى أخبارها ويتحف بها الخلفاء فيكافأ عليها بالعطايا الوافرة، وكان الرشيد يسميه “شيطان الشعر”.