هل تعيد رسم الخارطة الاقتصادية؟.. استثمارات واعدة في المدن الصناعية وتحديات قائمة

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية- إلهام عثمان:
تشهد سوريا اليوم تحولاً لافتاً في المشهد الاستثماري بعد ١٤ عاماً من الركود، إذ تتجه الأنظار نحو المدن الصناعية التي يُعوّل عليها لتكون قاطرة النمو، لكن هذا التوجه يطرح تساؤلات ملحة حول آليات تحويل الطلب المتزايد إلى مشاريع حقيقية، وحول قدرة البيئة الاقتصادية الحالية على احتضان هذه الاستثمارات وضمان نجاحها.

إقبال استثماري

وهنا كان لابدّ من طرح سؤال ملح من قبل “الحرية” حول كيفية ضمان الدولة لتحويل الطلبات الورقية للمقاسم الصناعية إلى مشاريع إنتاجية فعلية، وما هي مؤشرات النجاح التي سيتم اعتمادها لتقييم هذه المدن خلال السنوات الخمس القادمة؟.

للإجابة عن ذلك، كشف المستشار والخبير الاقتصادي د.عامر خربوطلي أنّ الإقبال الكبير على الاكتتاب، مثل تقدم 270 مستثمراً في مدينة الشيخ نجار الصناعية، يعكس توجهاً طبيعياً نحو الاستثمار في سوريا، ويأتي هذا التحول بعد 14عاماً من الركود الاقتصادي الذي أدى إلى تدهور الاقتصاد وغياب الاستثمارات.

وأضاف: إنّ هذه الطلبات تمثل رغبة حقيقية لدى المستثمرين في إقامة منشآت جديدة أو إعادة بناء ما تدمر منها، مشيراً إلى أنّ سوريا اليوم باتت في “قلب الحدث” الاستثماري.

خربوطلي: نجاح المشاريع يُقاس أولاً بعمليات التنفيذ الفعلية على أرض الواقع

مؤشرات النجاح

وحول الإطار الزمني ومقاييس الأداء، بيّن خربوطلي أنه عادةً ما يُمنح المستثمرون فترة تصل إلى سنتين بعد تقديم الطلب لتأسيس المشروع وبدء الإنتاج. وعليه، فإن نجاح هذه المشاريع يُقاس أولاً بعمليات التنفيذ الفعلية على أرض الواقع.
أما مؤشرات النجاح اللاحقة، فتتمثل في قدرة المشروع على تحقيق عوائد وقيم مضافة، بالإضافة إلى دوره الحيوي في توفير فرص عمل وتشغيل الأيدي العاملة، وهي العوامل التي ستؤدي في النهاية إلى تحقيق التحسن الاقتصادي المنشود.

تحدي التمويل

ومع هذا التفاؤل، يبرز تحدي التمويل والسيولة كعقبة رئيسية، ففي ظل أزمة السيولة والصراعات حول سعر الصرف، كيف يمكن لنظام الدفع، سواء بالليرة السورية أو بالدولار، أن يجذب مستثمرين جادين؟ وعن الضمانات الحقيقية المقدمة لهم؟
يجيب خربوطلي بأن الجهاز المصرفي السوري يمر حالياً بمرحلة انتقالية، حيث لم يتخلص بعد بشكل كامل من رواسب الماضي، ولم يبدأ صفحة جديدة تماماً في عمليات تمويل المشاريع وتشجيع الإيداعات، وهو ما يؤثر على توفير السيولة اللازمة لتمويل الأعمال.

ضمانات قانونية

ويرى خربوطلي أنّ الحل يكمن أيضاً في الانفتاح على المصارف العالمية، الأمر الذي قد يؤدي إلى توافد رغبات لإنشاء مصارف جديدة في سوريا، سواء عبر شراكات محلية أو كفروع لمصارف أجنبية.
وفيما يتعلق بضمانات المستثمرين، أكد أن حماية الاستثمارات هي قضية محورية لأي مستثمر، مشيراً إلى أن هذه الحماية تنظمها بشكل أساسي اتفاقيات ضمان وحماية الاستثمار الدولية، بالإضافة إلى القوانين المحلية المشجعة على الاستثمار، وهي موجودة بالفعل.
واختتم خربوطلي حديثه بنبرة متفائلة، قائلاً إنّ القضايا المالية والمصرفية، بما في ذلك عمليات التحويل، هي في طور التطور والتحسن، معرباً عن اعتقاده بأن “قادمات الأمور ستعلن عن نتائج جيدة”.

تسهيلات وتطور متسارع

ومن الجذير بالذكر أن الاستثمارات المرخصة في مدينة عدرا الصناعية بلغت 1052 مليار ليرة خلال النصف الأول من 2025، مع تحقيق إيرادات تجاوزت 210 مليارات ليرة.
كما أعلنت إدارة المدينة عن منح الأولوية للمشاريع الإستراتيجية مثل الصناعات الثقيلة ومواد البناء، والتركيز على دعم الصناعات التصديرية، مع تخصيص أكثر من 94 مليار ليرة لتطوير البنية التحتية من طرق وشبكات مياه وكهرباء، مع العمل على تلبية الطلب المتزايد من خلال التوسع وتطبيق نظام النافذة الواحدة، و تُنفذ إجراءات مكثفة لمعالجة تحديات المياه، وتخصيص مساحة إجمالية تبلغ 600 ألف متر مربع للمقاسم الصناعية، مع توفير مساحات داعمة للمرافق الخدمية، كما شهدت المدينة إقبالاً كبيراً، حيث بيع 328 مقسماً صناعياً، ويعمل 96 معملاً بشكل فعلي، بينما 86 معملًا قيد الإنشاء.
وفي مدينة حسياء الصناعية تم إطلاق مبادرة لتخصيص منطقة خاصة للمصانع السعودية، بهدف تعزيز التكامل الاقتصادي بين سوريا والمملكة العربية السعودية وفتح آفاق جديدة للتعاون الصناعي.
كما تشهد المدينة الصناعية في الشيخ نجار بحلب، والتي تعد من أكبر المناطق الصناعية في سوريا، انتعاشاً ملحوظاً بعد الأضرار التي لحقت بها خلال الحرب. يتجلى هذا الانتعاش في عودة المنشآت الصناعية وزيادة طلبات الاستثمار من السوريين في الداخل والخارج، ما يعكس تحسن المناخ الاستثماري.

ولدعم هذا التوجه، تقدم إدارة المدينة تسهيلات متنوعة للمستثمرين، مثل تبسيط إجراءات الترخيص وتخفيض الرسوم، بهدف تحويل المدينة إلى مركز جذب استثماري يدعم التعافي الاقتصادي ويعيد لحلب دورها الصناعي الرائد في المنطقة.

هذا وتعد المدينة الصناعية الأولى في مدينة الباب كركيزة أساسية للنهوض بالواقع الاقتصادي والاجتماعي، وتقع على بعد 5 كم من مدينة الباب و25 كم من معبر الراعي الحدودي، ما يجعلها حلقة وصل حيوية بين الأسواق المحلية والدولية.
وقد شهدت المدينة إقبالاً واسعاً، حيث تم بيع 328 مقسماً صناعياً، ويوجد بها حالياً 96 معملاً منتجاً و86 معملاً قيد الإنشاء في مختلف القطاعات مثل الصناعات الهندسية، الكيميائية، الغذائية، والنسيجية، بالإضافة إلى مشاريع الطاقة.

تضم المنشآت القائمة معامل لإنتاج الأسمنت، الأدوية، المواد الغذائية، البلاستيك، والبطاريات، وغيرها. أما المشاريع قيد الإنشاء فتشمل معامل لألواح الطاقة الشمسية، الكرتون، ومستحضرات التجميل، ما يعكس إصراراً على بناء مستقبل صناعي مزدهر في المنطقة.

Leave a Comment
آخر الأخبار