الحرية – ربا أحمد :
نشأت ظاهرة التداول في سوريا خلال الآونة الأخيرة بصورة واضحة ، وأصبحت الدعوة للمشاركة فيها أحاديث الشباب اليومية ، لتتحول المنازل إلى غرف مغلقة يجلس فيها الأبناء أمام اللابتوبات لساعات .

منصات متداولة
حيث أشار الشاب إياد أن الشباب اليوم يبحثون عن فرص عمل ولا يجدون، والتداول كان موجوداً في طرطوس ولكن ضمن حدود ضيقة ، بينما اليوم بات ظاهرة واضحة لسهولة التداول بعد فتح العديد من المنصات في سوريا ، مشيراً إلى أن خطورتها تنشأ من الجهل في التعامل والتداول، ولكن من يمتلك بعض المعلومات ويتابع جيداً سيكون قادراً على تحقيق الأرباح، وهي ظاهرة عالمية ولكن في سوريا محدودة لأسباب لوجستية ومصرفية.
وعن كيفية البدء بالتداول أوضح إياد أنه أولاً يتم اختيار شركة تداول دولية موثوقة ومرخصة من هيئات تنظيمية قوية (مثل CySEC أو FCA) ليتم بعدها فتح حساب تداول عبر الموقع الرسمي للشركة وتوثيق الحساب بتقديم وثائق هوية (مثل جواز السفر) وإثبات سكن ، ومن ثم يتم إيداع الأموال في حساب التداول الخاص عبر الطرق المتاحة، مثل الحوالات الدولية أو خدمات الدفع الإلكتروني.
فيتم تحميل منصة التداول الخاصة بالشركة على الجهاز (هناك تطبيقات ويب، ومنصات للهواتف، ومنصات لسطح المكتب) والبدء بالتداول في الأسواق العالمية.
مخاطر التداول
وعن مخاطر التداول أشار الشاب عبادة أنّ الأهم هو اختيار منصة تداول حقيقية وليست وهمية والتي ذهب ضحيتها آلاف الشباب السوري في الآونة الأخيرة، فالمنصات العالمية موثوقة منذ سنوات طويلة ، والحد الأدنى للمبلغ المودع هو 200 دولار، حيث تتم دعوة الأصدقاء والمعارف للمشاركة وتصبح لديك أفرع لشجرتك الإلكترونية لتتلقى مبالغَ عن كل فرد وهكذا، وهناك منصات تتداول بالذهب أو بالعملات الإلكترونية وغيرها من الأنواع.
الشاب عبادة لفت إلى أنّ البدء بالتعامل دون أي خلفية معرفية عن الأمر كارثة كبرى، لأن التداول يحتاج إلى إستراتيجية وانضباط وصبر كون الأرباح لن تبدأ قبل أشهر، والشباب في طرطوس يتعاملون مع الأمر بالتقليد الأعمى ورغبة بكسب الأموال فقط، فيتخذون قرارات عاطفية ويتعاملون باندفاع من دون حسابات دقيقة، بينما الأمر أكثر تعقيداً ولكن بالمقابل ليس بالصعوبة الكبيرة .
صفحات التواصل الاجتماعي
بالمقابل انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي إعلانات عن دورات تدريبية لتعليم أسس التداول ومخاطره، بصورة علنية ، بينما تم إنشاء عشرات المجموعات للمتداولين في سوريا على منصات التواصل ، وبعد التدقيق في منشوراتها ، تجد أن معظم المتداولين يطلبون وسطاء محليين لصرف الأرباح مقابل أجور مرتفعة ، إضافة إلى الاستفسارات المتكررة عن أسماء منصات ومقدار ضمان التداول فيها ، لتجد أن fcc و ومنصة “بينانس” الأكثر استخداماً ، حيث الأخيرة أعلنت في حزيران 2025، ” أنه بعد رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، يمكن للسوريين الولوج إلى خدماتها الكاملة، بما في ذلك تداول أكثر من 300 عملة ورمز رقمي، والتداول الفوري والفوري المعقد، وخدمات التحويل عبر “بينانس باي” (Binance Pay).
التداول غير مشرع في سورية
الباحث الاقتصادي شادي أحمد أوضح أنه حتى الآن، التداول عبر الإنترنت (وخاصة تداول العملات الرقمية أو الفوركس) ليس نشاطًا مشروعاً أو منظماً رسمياً في سوريا ، ولا يوجد أي ترخيص صادر عن مصرف سوريا المركزي أو هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية يجيز ممارسة هذا النوع من الأنشطة ؛ بمعنى أدق، التداول يُمارس اليوم بحكم الواقع لا بحكم القانون، وغالباً عبر منصات أجنبية تُستخدم من داخل سوريا بطرق غير رسمية، عبر وسطاء أو عبر أدوات تجاوز القيود التقنية.
أي هو نشاط غير مشرّع رسميًا، لكن يُمارس على نطاق واسع وبات يشكل اقتصادًا موازياً صغيراً، خصوصاً بين الشباب الباحثين عن الدخل السريع.
أسباب امتناع تنظيمه
وأشار أحمد إلى أنّ هناك ثلاثة أسباب لامتناع المصرف المركزي عن تنظيمه،أولها أسباب مالية ومصرفية ، فالنظام المصرفي السوري معزول فعلياً عن النظام المالي العالمي بسبب العقوبات، فلا توجد قدرة على التحويلات البنكية الدولية أو الربط مع وسطاء تداول مرخصين عالمياً بينما التداول يحتاج إلى بنية مالية تتعامل بالعملات الأجنبية وتُدار بالشفافية الدولية (KYC، AML)، وهي غير متاحة داخل سوريا.
وثانيها أسباب أمنية وتنظيمية ، فالمصرف المركزي يخشى من تسرب الأموال عبر قنوات غير خاضعة للرقابة، سواء لغسل الأموال أو لتمويل عمليات خارجية ، إضافة إلى غياب التشريعات الخاصة بالأصول الرقمية يجعل من الصعب ضبط أي مخالفات أو حماية المتداولين من المنصات الوهمية.
ويضيف أحمد أنّ ثالث الأسباب هي اقتصادية وسياسية ، على اعتبار أنّ النظام الاقتصادي السوري يقوم على التحكم المركزي وليس على حرية رأس المال أو الأسواق، والتداول بطبيعته يعتمد على حرية تدفق الأموال والمعلومات وبالتالي تشريع هذا القطاع يعني اعترافًا ضمنيًا باقتصاد رقمي عابر للحدود، وهو أمر يتعارض مع طبيعة النظام المالي الحالي القائم على الرقابة الشديدة على القطع الأجنبي.
التداول قطاع اقتصادي أم ظاهرة خطرة؟
وأكد أحمد أنه في العالم يمثل التداول (الفوركس والعملات الرقمية) قطاعاً ماليًا ضخماً، لكنه ليس “إنتاجيًا”؛ هو نشاط مضاربي يعتمد على التحليل المالي والتقلبات السعرية.
وفي الاقتصادات المتقدمة، يُعدّ التداول أحد أذرع القطاع المالي المنظم، يُخضع للضرائب والرقابة ويُعدّ من أدوات السيولة.
أما ضمن سوريا، فالوضع مختلف جذريًا ، لأن التداول هنا لا يدخل ضمن الناتج المحلي، ولا يخضع لأي رقابة، ولا يحظى بحماية قانونية، وبالتالي لا يمكن اعتباره “قطاعاً اقتصاديًا”، بل هو حتى الآن ظاهرة اقتصادية خطرة تمزج بين الجهل المالي والطموح المعيشي، تشبه أشكال المقامرة الرقمية أكثر مما تشبه الاستثمار المالي المنظم.
ففي العالم يعدّ التداول قطاعاً مالياً منظماً بينما في سوريا هو ظاهرة اجتماعية واقتصادية غير مشروعة وغير مضبوطة، تعكس الأزمة الاقتصادية أكثر مما تمثل حلاً لها.