الحرية ـ سامر اللمع:
على الرغم من أهمية المناسبة عالمياً وتأثير قضايا المناخ على مختلف الجوانب الحياتية لسكان هذا الكوكب, إلا أن زيارة السيد الرئيس أحمد الشرع إلى البرازيل للمشاركة في المؤتمر المناخي الثلاثين للأمم المتحدة COP30 في مدينة بيليم بشأن المناخ, تكتسب أهمية خاصة على المستويين السياسي والاقتصادي إضافة للبيئي.
زيارة الرئيس الشرع إلى البرازيل المقررة يومي 6-7 من الشهر الجاري, يرافقه وزير الخارجية أسعد الشيباني ووفد رفيع المستوى, هي أول زيارة رسمية إلى أمريكا اللاتينية منذ التحرير، وهي تُمثل فصلاً جديداً من الانخراط العالمي، وتبعث برسالة مفادها أن سوريا تتعافى وتعمل على كافة الجبهات في آن واحد، بدءاً من إعادة الإعمار وصولاً إلى النهضة البيئية للمناخ، وأنها تقف إلى جانب دول الجنوب العالمي، مطالبة بنظام مناخي دولي عادل وشامل وغير مسيّس.
البعد السياسي
لا تقتصر أهمية زيارة الرئيس الشرع إلى البرازيل على الجوانب البيئية والمناخية، بل تتعداها لتمثل تحولاً نوعياً في السياسة الخارجية السورية، وتعكس رغبة جادة في توسيع نطاق العلاقات الدولية، وإعادة سوريا كفاعل مؤثر في قضايا الجنوب العالمي والتنمية المستدامة.
فبعد سنوات من التحديات والعزلة السياسية التي فرضها النظام البائد، تسعى سوريا الجديدة بخطوات واثقة نحو دبلوماسية الانفتاح والتوازن. ومشاركة الرئيس الشرع في مؤتمر عالمي بهذا الحجم، تدل على أن سوريا تنظر إلى العلاقات الخارجية بمنظور المبادرة والشراكة، وليس فقط في إطار المشاركات البروتوكولية.
بوابة أمريكا اللاتينية
تؤكد المشاركة في مؤتمر بيليم أن الدبلوماسية السورية تتجه نحو آفاق أوسع تشمل أمريكا اللاتينية ودول الجنوب العالمي. ومن المتوقع أن يضع اللقاء المرتقب بين الرئيس الشرع ونظيره البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، أسس تعاون طويل الأمد بين البلدين في مجالات الطاقة المتجددة والزراعة وإدارة الموارد المائية، ما يعزز مكانة سوريا في التحالفات الدولية الجديدة.
فالبرازيل، وهي الدولة ذات الثقل الاقتصادي والسياسي في أميركا اللاتينية وعضو مؤسس في مجموعة “البريكس”، تمثل محوراً مهماً في تحركات دمشق الجديدة باتجاه دول الجنوب العالمي. أضف إلى ذلك, أن هذا البلد يضم جالية سورية كبيرة وعريقة يمكن لها أن تساهم في إعادة بناء الجسور مع دولتهم الأم والمساهمة الفاعلة في إعادة الإعمار والتنمية وأيضاً في دعم العلاقات ما بين موطنهم الأصلي وبين موطنهم البديل.
أهداف المشاركة
حسب مصادر مطلعة, فإن القيادة السورية تهدف من خلال المشاركة في مؤتمر بيليم (COP30), إلى استخدام قضايا المناخ والبيئة كأداة سياسية جديدة لإعادة البلاد إلى الساحة الدولية من خلال التعاون الإنساني والتنموي، بعيداً عن الانهيارات السياسية التي طغت على المشهد في العقد الأخير.
إذ يحمل الرئيس الشرع إلى البرازيل مشروعاً طموحاً بعنوان “شراكة خضراء بين الفرات والأمازون”، يربط بين نظامين بيئيين حيويين في الشرق والغرب. وتعكس هذه المبادرة توجهاً جديداً في الدبلوماسية السورية، يجمع بين الوعي البيئي والهوية الوطنية، ويقدم رؤية لسوريا كدولة منفتحة تسعى إلى تعاون قائم على العدالة البيئية والتنمية المشتركة.
كما من المتوقع أن يركز الخطاب الذي سيلقيه الرئيس في المؤتمر على الأضرار البيئية التي خلفتها الحرب، ويؤكد أن إعادة الإعمار في سوريا تمثل نهضة إنسانية وبيئية متكاملة. في الوقت الذي تسعى القيادة السورية إلى تحويل ملف المناخ إلى قضية أخلاقية وسياسية تعكس مسؤولية الدولة تجاه مواطنيها وكوكب الأرض.
إن مشاركة سوريا في المؤتمر قد تفتح الباب أمام نقاشات جديدة حول دور الدول المتضرّرة من النزاعات في جهود التكيّف مع تغيّر المناخ، خصوصاً مع ما تشهده الأراضي السورية من تحديات بيئية متراكمة نتيجة الحرب الطويلة، والجفاف، وغياب البنية التحتية البيئية.
دول الجنوب.. شريك محتمل لإعادة الإعمار
لا ريب من أن التوجه السوري نحو البرازيل ودول الجنوب العالمي يحمل أهدافاً اقتصادية موازية للأهداف السياسية، فالبرازيل تُعد من الدول النامية ذات الاقتصاد المتنوع، وتملك خبرات كبيرة في مجالات الزراعة والطاقة والمواد الخام والبنية التحتية، وهي قطاعات تمثل أولويات ملحّة في خطة إعادة الإعمار السورية.
كما أن الانفتاح على الجنوب العالمي يمنح دمشق فرصة لتوسيع خياراتها بعيداً عن الضغوط الغربية، ويعزز موقعها ضمن محور “البريكس” الذي بات يُنظر إليه كقوة اقتصادية بديلة للنظام المالي الغربي التقليدي.
ما هو مؤتمر(COP)
تُعدّ قمة المناخ (COP) من أبرز المؤتمرات الدولية التابعة للأمم المتحدة المعنية بالتغيّر المناخي، وتُعقد سنوياً بمشاركة أكثر من 190 دولة. وسبق للبرازيل أن استضافت أول قمة بيئية عالمية في مدينة “ريو دي جانيرو” عام 1992، فيما تستعد اليوم لاستضافة الدورة الثلاثين، في ظل اهتمام متزايد بتأثيرات المناخ على الأمن الغذائي والمائي في العالم.
يُذكر أن مؤتمر (COP30) يهدف هذا العام إلى تقييم التزامات الدول بخفض الانبعاثات الكربونية، وتعزيز التحوّل نحو الطاقة النظيفة، في ظل تزايد التحذيرات من تفاقم آثار الاحتباس الحراري وارتفاع درجات الحرارة العالمية.