الحرية- لمى سليمان:
تعد مشاركة سوريا في قمة المناخ المنعقدة في مدينة بليم البرازيلية ممثلة بالسيد الرئيس أحمد الشرع نقطة علام في الخريطة المناخية الدولية، وعودة سوريا قوية إلى الحضن الدولي الذي غُيّبت عنه لسنوات طوال، فهذه المشاركة تعيد سوريا الخضراء التي عهدها للعالم بعد أن حولها الدمار و العزلة إلى محمية بشرية قاتلة لشعبها، و برأي أصحاب الخبرة فهذه المشاركة من شأنها أن تعيد بعث البيئة السورية من التراب إلى روحها الخضراء.
حدثاً محورياً
وبرأي رئيس جامعة حلب د.محمد أسامة رعدون فإن مشاركة السيد الرئيس أحمد الشرع في قمة المناخ COP30 المقررة في مدينة بيليم البرازيلية، تشكّل حدثاً محورياً في مسار الحضور السوري على الساحة الدولية، وهي تعبير صادق عن رؤية وطنية متقدمة تدرك بعمق أن قضية المناخ لم تعد شأناً بيئياً محدوداً، بل هي قضية حضارية وإنسانية وتنموية تمس جوهر مستقبل البشرية، وتعيد رسم ملامح العلاقات بين الدول والشعوب في العقود القادمة.
ويتابع د.رعدون مؤكداً أن الحضور السوري في هذا المحفل الدولي هو تجسيد لإرادة وطنية واعية تسعى لإعادة بناء مكانة سورية كطرف فاعل ومسؤول في صياغة الحلول العالمية للتحديات البيئية والمناخية، وفي الوقت ذاته رسالة إلى العالم مفادها أنّ سوريا، رغم ما مرت به من ظروف استثنائية خلال السنوات الماضية، لا تزال تؤمن بالحوار والتعاون الدولي كسبيل لمواجهة القضايا الكونية الكبرى التي تتجاوز حدود الجغرافيا والسياسة.
دبلوماسية مناخية
ويبين د.رعدون في تصريحه لصحيفة الحرية, أنّ مشاركة السيد الرئيس أحمد الشرع ستفتح آفاقاً جديدة أمام الدبلوماسية المناخية السورية، وستعيد ربط سورية بالمبادرات الدولية من موقع الشريك الفاعل، لا المراقب، في زمن تتقاطع فيه التحديات البيئية مع متطلبات التنمية والسيادة والعدالة.
استدامة وأمن قومي
من هذا المنطلق، تأتي مشاركة السيد الرئيس لتؤكد أنّ الاستدامة المناخية هي جزء لا يتجزأ من الأمن القومي السوري، وأن الدولة السورية تنظر إلى قضايا المياه، والغذاء، والطاقة، والتنوع الحيوي، بوصفها ركائز إستراتيجية للتنمية وإعادة الإعمار، وليست ملفات ثانوية أو هامشية، فالتغيرات المناخية التي شهدتها المنطقة خلال العقود الأخيرة- من تراجع معدلات الهطول المطري، وازدياد فترات الجفاف، وتدهور الغطاء النباتي، واستنزاف الموارد المائية- تفرض ضرورة تبني سياسات تكيف واستجابة قائمة على العلم والمعرفة والحوكمة الرشيدة.
مسؤولية جامعية
وفي هذا السياق، وبحسب د.رعدون، تتحمل الجامعات الوطنية مسؤولية علمية ووطنية متقدمة في دعم الرؤية المناخية لسوريا من خلال التعليم والبحث والتوعية، فجامعة حلب، وهي من أقدم وأكبر الجامعات السورية، تعمل على إدماج قضايا المناخ والاستدامة في مناهجها التعليمية وبرامجها البحثية، وتشجع الأبحاث التطبيقية في مجالات إدارة الموارد المائية، والطاقة المتجددة، ومراقبة الجفاف، وإعادة تأهيل الأنظمة البيئية، والاقتصاد الأخضر.
كما تعمل الجامعة على تعزيز شراكاتها الإقليمية والدولية مع الجامعات والمراكز البحثية المهتمة بالبيئة والمناخ، وفي هذا الإطار، تلقت جامعة حلب مؤخرًا دعوة رسمية من اتحاد الجامعات المتوسطية (UNIMED) للانضمام إلى إعلان جيرونا Girona Declaration، وهي مبادرة جامعية عالمية أطلقتها جامعات متوسطية رائدة لتعزيز التعليم من أجل الاستدامة والمناخ، وتحفيز مؤسسات التعليم العالي على الاضطلاع بدور ريادي في تنفيذ أهداف اتفاق باريس للمناخ وأجندة الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة.
مدخل لإعمار مستدام
ويؤكد د رعدون أن قضايا المناخ ليست منفصلة عن مسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بل تمثل مدخلاً رئيساً لإعادة الإعمار المستدام، حيث تبرز أهمية إعادة تأهيل البنية التحتية البيئية، وتحسين إدارة المياه، وتطوير المدن الذكية المستدامة، وتمكين المجتمعات المحلية من التكيف مع التغيرات المناخية، وهي محاور أساسية في البحوث والمشاريع التي ترعاها الجامعة حاليًا.
صياغة المستقبل المناخي
ويرى د.رعدون في قمة المناخ COP30 فرصة إستراتيجية لإبراز الدور السوري في صياغة مستقبل العالم المناخي، وفرصة كذلك لتأكيد أن سوريا قادرة على أن تكون طرفاً منتجاً للمعرفة لا مستهلكاً لها، وأنها تواكب التحولات العلمية والتكنولوجية في مجال الاستدامة والطاقة النظيفة والذكاء الاصطناعي البيئي.