الحرية – مها سلطان:
ملغوم بشكل متعمد،في التوقيت والهدف، ذلك التقرير الذي نشرته وكالة «رويترز» يوم الخميس الماضي وادَّعت فيه أن الولايات المتحدة تستعد لتأسيس وجود عسكري لها في قاعدة جوية بدمشق.
وجاء رد سوريا سريعاًواضحاً وحاسماً بالنفي.. وأكثر من ذلك، جاء الرد كاشفاً لبعض التفاصيل حول المرحلة المقبلة من مسار العلاقات السورية-الأميركية، والتي تتقدم بخطى متسارعة باتجاه نهاية عام سعيدة ومبشرة للسوريين.
ثلاثة أحداث متتالية
لنبدأ من التوقيت الملغوم لنشر «رويترز» تقريرها، إذ يتزامن هذا النشر مع ثلاثة أحداث سورية متتالية بأبعاد دولية (وبتفاصيل عربية/إقليمية)، أبرزها زيارة الرئيس أحمد الشرع المرتقبة إلى الولايات المتحدة الأميركية في العاشر من هذا الشهر، ولقاؤه المقرر مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
البرازيل
قبل الزيارة، هناك حدث تواجد الرئيس الشرع في البرازيل ومشاركته البارزة في قمة المناخ (COP30) وكلمته أمامها، والتي شكَّلت محطة جديدة في مسار تأكيد وجود ومكانة سوريا على الخريطة الدولية بكافة أبعادها، السياسية والاقتصادية.. والمناخية اليوم، هذا عدا عن أن تواجد الرئيس الشرع في البرازيل وسط أبرز القادة والمسؤولين العالميين، هو تأكيد جديد على صوابية مسار القيادة السورية، وحكمة توجهاتها السياسية، إقليمياً ودولياً.
وإذا كان هدف تقرير رويترز التشويش على زيارة الرئيس الشرع ومشاركته في قمة المناخ، فإن هذا الهدف تم إسقاطه.
مجلس الأمن
قبل الزيارة أيضاً، كانت الاستعدادات على قدم وساق، تحضيراً لجلسة مجلس الأمن الدولي للتصويت على رفع اسم الرئيس الشرع من قائمة العقوبات الدولية (مع وزير الداخلية أنس خطاب). وهو ما تحقق فعلياً، حيث أكدت «الدبلوماسية السورية من جديد حضورها الفاعل وقدرتها على تحقيق التقدم بخطى ثابتة في إزالة العقوبات وتهيئة الطريق نحو مستقبل أكثر انفتاحاً واستقراراً» كما صرح وزير الخارجية أسعد الشيباني ترحيباً بنتيجة التصويت، معرباً عن تقدير سوريا للولايات المتحدة والدول الصديقة على دعمها لسوريا وشعبها.
وتبذل إدارة الرئيس ترامب منذ أشهر جهوداًحثيثة ومتواصلة في سبيل تحقيق هدف رفع اسم الرئيس الشرع من العقوبات الدولية. فإذا كان هدف تقرير رويترز هو التشويش مسبقاً على التصويت والتشكيك بالنوايا الأميركية وإلصاق خلفيات غير حقيقية وغير واقعية بمسار العلاقات السورية – الأميركية، فإن هذا الهدف تم إسقاطه.
زيارة واشنطن
..وإلى الهدف الثالث، وهو التشويش على زيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن، وهو هدف تم إسقاطه عملياً مع تصويت مجلس الأمن على رفع اسم الشرع من قائمة العقوبات. إذ إن الجهود الأميركية في سبيل ذلك، تكثَّفت ليتم تحقيق هذا الهدف قبل لقاء الرئيسين الشرع وترامب، لتكتسب الزيارة واللقاء «أريحية» إذا جاز لنا التعبير، أو لنقل حتى تتم الزيارة واللقاء وفق آفاق مستقبلية واضحة، حيث يمكن الانطلاق بصورة أكثر رسوخاً على محددات ثابتة تستطيع معها العلاقات السورية-الأميركية أن تنفتح على كل مجالات التعاون.
ولا شك أن تصويت مجلس الأمن على رفع اسم الرئيس الشرع من قائمة العقوبات هو الإنجاز الأبرز الذي كان ينتظره السوريون وهم على ثقة من قدرة الدبلوماسية السورية على تحقيقه.. وهذا ما حدث.
النفي الأبلغ
الآن ماذا عن الرد السوري، وعن جزئية التفاصيل التي كشفها بين سطوره؟
لن نخوض كثيراً في تفاصيل تقرير رويترز المطول، والذي اختلطت فيه الكثير من الأمور واستشكلت فيه الكثير من الجوانب حتى بدا وكأن رويترز أضاعت البوصلة، وحيث أن مسألة الربط بين التفاصيل (الأحداث) السورية – الإقليمية كانت غير مفهومة، بمعنى غير موفقة، وغير مبنية على وقائع وأسس داعمة.. وتالياً فإن هدف ذر الرماد في العيون بدا واضحاً.
في الرد الرسمي لوزارة الخارجية «أن المرحلة الراهنة تشهد تحولاً في الموقف الأمريكي باتجاه التعامل المباشر مع الحكومة السورية المركزية، ودعم جهود توحيد البلاد ورفض أي دعوات للتقسيم».. وأن العمل يجري على «نقل الشراكات والتفاهمات التي كانت اضطرارية مع أجسام مؤقتة إلى دمشق، في إطار التنسيق السياسي والعسكري والاقتصادي المشترك».
مسألتان أساسيتان
هذا الرد هو «المختصر المفيد». مسألتان في غاية الأهمية تم إيرادهما، واكتفت بهما وزارة الخارجية ليكون ردها حاسماً كافياً وافياً شافياً.
المسألة الأولى هي الموقف الأميركي الذي يركز على التعامل مع الحكومة السورية المركزية باعتبارها الحامي والضامن لوحدة البلاد واستقرارها.
والمسألة الثانية، هي «الشراكات والتفاهمات الاضطرارية» وهذه رسالة واضحة لأطراف محددة معروفة (أجسام مؤقتة/دعاة التقسيم) بأن سقوطها الكامل حتمي في المرحلة المقبلة، فإذا كانت الإدارة الأميركية اضطرت في عهد النظام السابق أن تتعامل مع هذه الأطراف/الأجسام، فإن هذا الاضطرار انتهى في ظل دبلوماسية سورية صاعدة، راسخة
ومتينة، تدير الملفات داخلياً وخارجياً، باتجاه الانفتاح والكسب وتحقيق المصالح على قاعدة الوحدة والاستقرار والنهوض.
..وإذا ما أخذنا أصعب الملفات، وهو العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، فإن الدبلوماسية السورية أثبتت قدرتها في النجاح وتحقيق الكثير على هذا المستوى في زمن قياسي، وصولاً إلى زيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن ولقائه الرئيس ترامب، وهي الحدث الذي يوصف بالتاريخي والمنعطف الحاسم ليس فقط على مستوى سوريا، بل على مستوى المنطقة.
فإذا كانت الجهود الأميركية نجحت في التمهيد لزيارة ناجحة للرئيس الشرع،سواء بالتصريحات الإيجابية الداعمة، خصوصاً من الرئيس ترامب، أو عبر الإجراءات الميدانية والسياسية، ومنها تصويت مجلس الأمن اليوم على رفع اسم الرئيس الشرع من العقوبات الدولية… فإن هدف تقرير رويترز التشويش على هذه الزيارة قد تم إسقاطه أميركياً وسورياً.. وأممياً.
تحجيم التشويش
بقي أن نقول إن رد الخارجية السورية حجَّم تداول تقرير رويترز في المشهد الإعلامي،ليتم الإشارة إليه بخطوطه العريضة (وليس بتفاصيله) والذي ادعى أن «الولايات المتحدة تستعد لتأسيس وجود عسكري لها في قاعدة جوية بدمشق وذلك للمساعدة في إتاحة تنفيذ اتفاق أمني تتوسط فيه واشنطن بين سوريا وإسرائيل». وفق ما نقلته رويترز عما سمَّته 6 مصادر مطلعة.