الحرية- عمران محفوض:
لم يكن الحضور السوري الرفيع في قمة المناخ البرازيلية لمجرد عقد اللقاءات السياسية، وتحقيق مزيد من الانفتاح الدبلوماسي على العالم؛ بقدر ما كان حضوراً وطنياً لإقناع الدول المشاركة بضرورة مساعدة سوريا في تنفيذ برامجها التنموية الهادفة إلى دفع عجلة التعافي الاقتصادي، وتحسين المستوى المعيشي لجميع السوريين؛ بما يتوافق مع الرؤية الجمعية الدولية الخاصة بخفض معدلات التلوث؛ وجذب مشروعات استثمارية مهمة في مجال الطاقات المتجددة.
فسوريا التي عاشت في الموسم (2024– 2025) واحداً من أسوأ مواسم الجفاف منذ نحو 60 عاماً، وسط تراجع كبير في معدلات الهطول المطري، أدركت أن الأمن الغذائي الوطني في خطر متزايد، وحالات الفقر تقترب رويداً رويداً من نسبة التمام على ساحة البلاد دون تفريق بين ريف ومدينة، وأن المعاناة البيئية المحلية لا تنفصل عن الحالة العالمية، فكانت المبادرة إلى توجيه دعوة مفتوحة للمستثمرين العرب والأجانب المشاركين بالقمة ليكونوا شركاء في تحقيق رؤى سوريا التنموية خلال مرحلة التعافي وإعادة الإعمار.
ولو عدنا إلى مصادر وزارة الزراعة لأدركنا حجم التأثير المناخي السلبي على سوريا حيث كشفت الزراعة أن نسبة العجز في كميات الأمطار عن المعدل السنوي الطبيعي بلغت نحو 59 %، وأن لهذا الشح المطري تأثيراً مدمراً على الكثير من المحاصيل الزراعية، وفي مقدمتها القمح، إضافة إلى تراجع أعداد الثروة الحيوانية، وانخفاض مخزونات المياه الجوفية والسطحية، وتالياً اتساع رقعة الجفاف ودخول محافظات بالكامل في حالة العطش المزمن.
وطبعاً هذا الواقع المناخي السيئ الذي تعيشه سوريا هو نتاج لظاهرة مناخية عمّت العالم منذ عقود بسبب تزايد الغازات المنبعثة عن الأنشطة الصناعية والنقل وإنتاج الطاقة والغذاء، وإذا واصلت البشرية السير على هذا النهج فسيبلغ حجم الغازات الدفيئة المنبعثة نحو 65 مليار طن بحلول عام 2030.
وبالإشارة إلى ما ورد في دراسات دولية ندرك أهمية المشاركة السورية في هذه القمة، حيث خلصت تلك الدراسات إلى اعتماد إستراتيجيات “الاقتصاد الدائري” في أربع قطاعات صناعية رئيسية فقط هي الأسمنت والصلب والبلاستيك والألمنيوم، لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية بنسبة 40% بحلول عام 2050، فضلاً عن إمكانية اتباع ممارسات زراعية وصناعية متجددة تساعد على الحد من تأثير الجفاف على جميع مناحي الحياة.
ولذلك يعول الكثير من الخبراء على مخرجات هذه القمة علها تكون أفضل من سابقاتها من حيث القرارات القابلة للتنفيذ والإجراءات المبرمجة مكانياً وزمنياً، كون الواقع البيئي العالمي أصبح في وضع مزرٍ لدرجة أن عكسه يحتاج إلى إنفاق عشرات مليارات الدولارات سنوياً -معظمها مدور من قمم بيئية سابقة- للخروج من الأزمة المناخية الراهنة وتحسين البيئة بما يوفر لسكان الكرة الأرضية في المرحلة القادمة طقساً مناخياً أفضل؛ ربما تكون سوريا جزءاً منه.