الشرع في واشنطن.. نقطة تحوّل لإعادة الإعمار ووصل ما انقطع مع أقوى مراكز القرار الاقتصادي عالمياً

مدة القراءة 9 دقيقة/دقائق

الحرّية- هبا علي أحمد:

تُعدّ زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى واشنطن نقطة تحوّل استراتيجية في مسيرة إعادة إعمار سوريا واقتصادها، وتحمل في طيّاتها دلالات إيجابية قوية تدعم تعزيز علاقات التعاون الدولي والإقليمي.

– جسر اقتصادي- وطني/ دولي

وأشار المستشار والخبير الاقتصادي الدكتور زياد أيوب عربش، إلى أن زيارة الرئيس الشرع تمثل جسراً اقتصادياً وطنياً ودولياً، حيث تتلاقى طموحات سوريا المشروعة مع فرص الدعم الدولي والإقليمي في مشهد جديد مفاده انتعاش اقتصادي واسع ومتوازن.
وقال الدكتور عربش في تصريح لـ«الحرّية»: تعكس الزيارة محاولات تحسين العلاقات الاقتصادية والسياسية لدعم التعافي السوري، وتسلط الضوء على الحاجات الفعلية لسورية في ضوء استمرار التحدّيات القانونية والعقوبات مثل قانون «قيصر» التي تعيق الاستثمار المباشر في البلاد رغم بعض التخفيفات بما يخص قانون المساعدات الخارجية (FAA) حيث من المتوقع أن يتم التصويت إيجابياً على إلغاء « قيصر» مع نهاية العام الحالي.

– زيارة  الشرع تمثل جسراً اقتصادياً وطنياً ودولياً حيث تتلاقى طموحات سوريا المشروعة مع فرص الدعم الدولي والإقليمي

بمعنى آخر فإن الزيارة على الصعيد الاقتصادي تأثرت بشكل مباشر بالمرحلة الحاسمة الحالية لرفع العقوبات الاقتصادية التي كانت تحاصر الاقتصاد السوري لعقود.
ويرى عربش أن رفع هذه العقوبات في مراحلها النهائية، يُعتبر مدخلاً حاسماً لتحسين مناخ الاستثمار وفتح أبواب واسعة أمام تدفق رؤوس الأموال الأجنبية، وبما يُسهم في جذب المستثمرين البارزين الذين كانوا يرون في العقوبات عقبة كبيرة تعوق دخولهم إلى السوق السورية، مضيفاً: يدعم هذا السياق مجمل المستثمرون الإقليميون الرئيسيون، لا سيما قطر وتركيا والسعودية، الذين أبدوا التزامهم الفعلي بالمشاركة في جهود إعادة الإعمار من خلال ضخ استثمارات ضخمة في قطاعات الطاقة والبنية التحتية الحيوية، فضلاً عن الدعم الفني والخبرات التي تلتقي مع خطط الدولة السورية لتحديث اقتصادنا الوطني وتنويعه.
فهذه الدول الإقليمية تعمل بتنسيق متقدم مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي بدورها تبدي مؤازرة عبر تشجيع دخول الشركات الأمريكية والدولية إلى السوق السورية، ما يوفر فرصة فريدة لتعزيز الاستثمار والتكنولوجيا والنقل إلى سوريا، ويُساهم في بناء بيئة اقتصادية تنافسية.

– رفع العقوبات في مراحلها النهائية يُعتبر مدخلاً حاسماً لتحسين مناخ الاستثمار وفتح أبواب واسعة أمام تدفق رؤوس الأموال الأجنبية

ولفت الخبير الاقتصادي إلى أنه يُمكن للتنسيق الدولي والإقليمي المذكور أن يخلق دينامية اقتصادية جديدة من خلال فتح قطاعات استراتيجية كانت مقيدة، مثل قطاع الطاقة، النقل، والصناعات التحويلية، ما يدعم بدوره الأهداف الوطنية لتحقيق التنمية المستدامة وتوفير فرص عمل واسعة للشباب السوري.
إضافة إلى ذلك، فإن تحسين الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي عبر تنشيط الشراكات الاقتصادية المتعددة الأطراف يُعد خطوة أساسية لرسم خارطة طريق واضحة لإعادة الإعمار وتحقيق تعافي اقتصادي متكامل.

– تعكس الزيارة محاولات تحسين العلاقات الاقتصادية والسياسية لدعم التعافي السوري

-المقدمات الاقتصادية

ويربط الدكتور عربش الزيارة بالخطوات الاقتصادية التي اتخذتها سوريا مؤخراً وقبل الزيارة، إذ أعلن الرئيس الشرع وقبيل الزيارة عن جذب استثمارات بقيمة 28 مليار دولار منذ بداية العام، مُتسائلاً: كيف يمكن ربط ذلك بمساعي الدبلوماسية الاقتصادية السورية بتفعيل الشركات مع الدول المؤازرة لسوريا؟
يُجيب الخبير الاقتصادي: بالفعل كان التركيز على أن الاستثمار هو الطريق الأمثل الذي اختارته سوريا لإعادة الإعمار بدلاً من الاعتماد على المساعدات، وتشمل هذه الاستثمارات قطاعات عدة وعلى رأسها مشاريع البنية التحتية، الطاقة، وتطوير مشاريع حيوية كشبكة مترو في دمشق وتوسعة مطار دمشق، إلى جانب استثمارات سعودية وإماراتية وتركية في مجالات الطاقة والعقارات.
ويعكس الرقم الذي أعلنه الرئيس الشرع في السياق الاستثماري طموحاً كبيراً وانفتاحاً اقتصادياً جوهرياً بعد سنوات طويلة من الحرب والتدمير، لكنه عملياً قد يغلب عليه الطابع الرمزي في العديد من المشاريع، إذ قد لا تصل نسبة العقود الموقعة إلى نصف هذا الرقم لأسباب تتعلق بظروف المشروع، جدية المستثمرين، التمويل، والتنفيذ، مع ذلك، هناك مشاريع بدأت فعلياً وتتطلب وقتاً لنرى نتائجها.

– تسلط الضوء على الحاجات الفعلية لسوريا في ضوء استمرار التحدّيات القانونية والعقوبات مثل قانون قيصر

وفي سياق المقدمات الاقتصادية ذاتها، برز الحديث عن ضخ صندوق قطر للتنمية للتدفقات المالية في مشاريع التعافي بسوريا، بما يعكس خطوات ملموسة في دعم التعافي الاقتصادي، وإذا أخذنا هذا الموضوع ربطاً في سياق زيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن، عملياً فإن ضخ صندوق قطر للتنمية لتدفقات مالية في مشاريع التعافي في سوريا (قطاع الكهرباء والطاقة) وبمساهمات  بلغت لتاريخه حوالي 242 مليون دولار (منها 97 مليون دولار لشركة UCC Petroleum Trading LLC لبناء وتشغيل ثمان محطات كهرباء جديدة بقدرة إجمالية تبلغ 5000 ميغاواط، و61 مليون دولار لشركة الكهرباء الوطنية الأردنية NEPCO لتمويل توريد الغاز عبر خط الغاز العربي) يعتبر في غاية الأهمية فهذه الجهود تُسهم بشكل مباشر في تعزيز البنية التحتية للطاقة في سورية، ما يساعد على إعادة تفعيل الاقتصاد الوطني وتحسين الخدمات الأساسية.

-الاستفادة من الزخم

ولدى السؤال حول كيفية الاستفادة من الزخم الدولي والإقليمي تجاه سوريا وترجمة الاستثمارات  إلى واقع؟
يوضح الدكتور عربش أنه يجب أن تركز الدولة على بناء قطاع كهرباء قوي ومستدام كأولوية في إعادة الإعمار، فالتركيز على الطاقة يشكل نقطة انطلاق أساسية لكل القطاعات الأخرى في الاقتصاد والتنمية، تليه المشاريع الحيوية للبنية التحتية كالطرق والموانئ، والأهم خلق مناخ استثماري يحمي الاستثمارات ويضمن استمراريتها، مع تكامل تطوير البنية التحتية الاجتماعية مثل الصحة والتعليم لتعزيز النمو والتنمية المستدامة.
وفي السياق ذاته  نوّه الخبير إلى دور القيادة السياسية في كل من السعودية وقطر وتركيا الهام ليس فقط في ضخ الاستثمارات والمساعدات بل الأهم من ذلك مد سوريا بالعون التقني والخبرات التي هي بحاجة ماسة لها.

– توقعات مستقبلية

في مجال الاستثمار والتنمية الاقتصادية، ستبرز الحاجة لأن تلعب المؤسسات دوراً محورياً في تنظيم وتحفيز الاستثمارات عبر تفعيل الأطر القانونية والضريبية وتحسين البيئة التنظيمية لجذب المستثمرين، حسب عربش.
كما ستعتبر التكنولوجيا عنصراً أساسياً في تحديث القطاعات الاقتصادية من خلال اعتماد تقنيات ذكية في الطاقة والبنية التحتية وتحسين كفاءة الخدمات الصحية والتعليمية.
وتوقع الخبير عربش أن يتزايد دور اقتصاديات المكان عبر استغلال الموارد المحلية والمميزات الإقليمية لتعزيز التنمية المتوازنة، مع الاستفادة من موقع سوريا الجغرافي كممر تجاري بين الشرق والغرب.
هذه العوامل مجتمعة ستدعم إعادة إعمار أعمق وأكثر استدامة في عام 2026 وما بعده، رغم أن التركيز الحقيقي يجب أن يكون على المؤسسات والتكنولوجيا واقتصاديات المكان إلى جانب ضخ الاستثمارات المباشرة لضمان التنمية.

– فرصة اقتصادية

من جهته، يرى الخبير الاقتصادي عمار موسى، أن زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى واشنطن  تأتي في لحظة حساسة من عمر الاقتصاد السوري، وتفتح باباً مهماً لإعادة وصل ما انقطع مع واحدة من أقوى مراكز القرار الاقتصادي في العالم.
ولفت موسى في تصريح لـ «الحرّية» أن هذه الزيارة تحمل بعداً سياسياً، لكنها في جوهرها فرصة اقتصادية يمكن أن تنعكس مباشرة على حياة المواطن إذا تم استثمارها بالشكل الصحيح، إذ تكمن أهميتها في أنها قد تمهّد لخطوات  تعيد دمج سوريا تدريجياً في الاقتصاد العالمي، وتسمح بفتح  قنوات التواصل مع البنك الدولي وصندوق النقد، إضافة إلى جذب استثمارات خاصة في قطاعات البنية التحتية، الطاقة المتجددة، والنقل.
وأشار الخبير الاقتصادي أنه من المتوقع أن يكون أحد أبرز الملفات على الطاولة هو ملف العقوبات. وفي حال تحققت تفاهمات أولية، قد نشهد:
•رفعاً جزئياً أو تخفيفاً لبعض العقوبات.
•توسيع الإعفاءات الإنسانية.
•تسهيلات في التحويلات والتجارة الخارجية.
•خفض تكاليف الشحن والتأمين للموانئ السورية.
هذه الخطوات — إن تمت — ستنعكس مباشرة على الأسعار، توفر المواد الأولية، وتحسن تدفق النقد الأجنبي.

-الفائدة الحقيقية

لكنّ الفائدة الحقيقية للزيارة لا تتحقق تلقائياً؛ بل تحتاج حسب موسى إلى:
•تقديم رؤية اقتصادية واضحة وشفافة.
•تحسين بيئة الأعمال والاستثمار.
•خطوات إصلاحية ولو محدودة تعزز الثقة الدولية.
•إدارة إعلامية مدروسة لهذه الزيارة كإشارة على انفتاح اقتصادي جديد.
باختصار، الزيارة تشكل نافذة أمل اقتصادية جديدة تساعد على كسر الجمود، وفتح الباب أمام مسار يخفف الضغوط المعيشية والمالية على السوريين إذا أحسن صانع القرار استثمارها، وفقاً لموسى، مع التأكيد على تعزيز الحوكمة والشفافية الإدارية لتعزيز المكاسب إن حصلت.

Leave a Comment
آخر الأخبار