الحرية -دينا عبد:
باتت وسائل التواصل في عصرنا الحالي سريعة ومتنوعة، أظهرت بعض الأساليب الجديدة في الممارسات العلاجية والصحية ومنها ما (يعرف بالعلاج النفسي عبر الرسائل النصية).

أخصائية الصحة النفسية د. غالية أسعيد بينت خلال حديثها لصحيفة “الحرية” أن هذا الأسلوب من العلاج النفسي (تبادل الرسائل) يعتمد على أن يقوم المريض بالتواصل مع المعالج أو الحصول على تدخل نفسي من خلال الرسائل النصية (SMS أو تطبيقات الدردشة) بدلاً من الجلسة التقليدية وجهاً لوجه أو حتى عبر الفيديو.
نتائج إيجابية
واعتبرت د. أسعيد أن هذا الأسلوب في العلاج يحقق نتائج إيجابية جيدة فهناك أدلة بحثية تشير بأنه يمكن أن يكون فعالاً، ولكن ليس لجميع الحالات بنفس القدر فعلى سبيل المثال أظهرت دراسة عشوائية حديثة أن العلاج النفسي المعتمد على الرسائل (asynchronous message-based psychotherapy) لدى مرضى الاكتئاب المتوسط أظهر تحسناً كبيراً في الاكتئاب والقلق والوظيفة اليومية بمقاييس تأثير متوسطة إلى كبيرة نوعاً ما، ولم يكن أقل فعالية من العلاج بالفيديو الأسبوعي.
وتابعت: كذلك هناك مراجعة استكشافية أشارت إلى أن الاتصال النصي بين المريض والمعالج قد يشكل خياراً فعالاً، خصوصاً لدى أفراد يعانون من حواجز الوصول إلى خدمات الصحة النفسية (كالسكن البعيد، أو الوصمة الاجتماعية).
وبحسب د. أسعيد بناء على دراسة بحثية قامت بإرسال رسائل يومية داعمة مبنية على برنامج العلاج السلوكي المعرفي (CBT) خلال جائحة كورونا وقد أظهرت انخفاضاً ملحوظاً في مستويات القلق والاكتئاب لدى المرضى.
لذلك يمكننا القول إن العلاج بالرسائل النصية يملك إمكانية فعلية لتحقيق نتائج إيجابية لابأس بها ..
تفضيل المريض
وعن تفضيل أن يكتب المريض رسالة نصية للمعالج؟ بينت أن هذا يعتمد على الظروف الراهنة ولكن يمكن القول إن تزويد المعالج برسالة من المريض قد يكون مفيداً جداً في بعض الحالات خاصة تلك التي يشعر فيها المريض بعدم الراحة في التواصل المباشر أو لديه صعوبة في التعبير الشفوي أو حضور الجلسات، أو ربما أن هناك بعض الأفراد يعيشون في مناطق نائية أو يعانون من صعوبات في الحركة فيكون التواصل بطريق الرسائل هي الحل الأسهل .
فالرسالة قد تمنح المريض مساحة للتفريغ وتمكين المعالج من الاطلاع على محتوى مكتوب يعبر عن شعوره أو تفكيره هذا ما يمكن أن يساعد في بناء علاقة علاجية وتكوين فهم أولي للحالة.
تعابير مهمة
ونوهت د. أسعيد إلى أن الرسالة وحدها ليست كافية في كل الحالات فالتواصل النصي قد يفقد بعض العناصر المهمة مثل نبرة الصوت وتعابير الوجه إضافة إلى لغة الجسد وكذلك التوقف والصمت وغيرها من الإشارات غير اللفظية التي يستخدمها المعالج النفسي ففي دراسة استكشافية أظهرت أن الاتصال النصي قد لا يحل بالكامل محل الجلسة المباشرة لدى حالات معقدة أو عالية الخطورة أبداً .
فهم الحالة
وعن إمكانية فهم الحالة عبر الرسائل أجابت: إلى حد معين يمكن للمعالج أن يفهم الكثير من خلال ما يكتبه المريض من مشاعر وأفكار وأنماط التفكير وعلامات المقاومة النفسية وكذلك التزام بالتغيير وحتى المؤشرات الخطرة (مثل الإيذاء الذاتي أو الأفكار الانتحارية).
ولكن فهم الحالة عبر الرسائل قد يتطلب من المعالج أن يكون متمرساً بقراءة ما وراء الكلمات وأن يضع الأسئلة المناسبة وأن يتحقق من المضمون ويتأكد من وجود آليات متابعة خاصة وإذا برزت مؤشرات خطر أو احتياج لمدخلات أسرع أو مباشرة بمعنى آخر فإن الرسائل يمكن أن تكون جزءاً من تكوين الصورة لكنها غالباً تكون مكملة وليس بديلاً تاماً في كل الحالات.
التوصيات العملية للعلاج النفسي عن طريق الرسائل النصية
يستحسن أن تكون الرسائل النصية مهيكلة إلى حد ما، أي تحديد وقت وعدد الرسائل إضافة إلى وضوح دور المعالج والمريض مع الاتفاق على حدود التواصل والتأكيد على الالتزام بالخصوصية.
كما يجب أن يكون المعالج مختصاً ومدرباً على هذا النوع من التواصل لأن صياغة الرسائل وسرعة الرد عليها والتوقيت، وطبيعة اللغة تؤثر جميعها على جودة العلاج النفسي المقدم.
ومن الأفضل حسب د. أسعيد استخدام الرسائل النصية كمكمل للعلاج التقليدي ومدخل أولي وليس بالضرورة بديل وحيد في الحالات المعقدة.
وضع آليات للمتابعة وتقييم التقدم ومراقبة أي علامات خطر أو تدهور وذلك لأن قلة التواصل غير المباشر قد تؤخر رصد بعض المؤشرات الحرجة.
وختمت الاخصائية النفسية حديثها بالقول: العلاج ليس فقط ما يقال وجهاً لوجه بل أيضاً ما يكتب من صمت يحول إلى كلام ومن ألم يتاح له مكان في صفحة .
وفي زمن السرعة والتباعد قد تكون الرسالة النصية جسراً بين المريض والمعافاة ولكن بشرط أن يعطى لها وقتها ومكانها ورعايتها.