الحرية – أمين سليم الدريوسي:
في خطوة دبلوماسية واقتصادية حاسمة، شهدت العاصمة الأمريكية واشنطن وصول الرئيس أحمد الشرع، في زيارة تعد الأولى من نوعها لرئيس سوري منذ عقود. لم يكن هذا الحدث مجرد لقاءات سياسية تقليدية، بل شكل إعلاناً صريحاً عن انطلاقة جديدة في مسار الدبلوماسية السورية، التي تهدف إلى فك العزلة الدولية وإعادة تموضع البلاد على الخريطة العالمية، ومن ضمن لقاءات الرئيس الشرع كان هناك لقاء مهم مع الجالية السورية، بحضور كبار المسؤولين وعلى رأسهم وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني.
هذه الزيارة التاريخية تؤشر إلى تحول استراتيجي في تعاطي الدولة السورية مع قضاياها الداخلية والخارجية، حيث يتم دمج السياسة والاقتصاد بشكل وثيق لإعادة البناء وتعزيز الاستقرار، فبدلاً من التركيز التقليدي على المساعدات الخارجية المشروطة، تستهدف سوريا الآن تفعيل دور الجاليات المغتربة كشريك استراتيجي ومحرك أساسي للتنمية الاقتصادية، إلى جانب إعادة نسج العلاقات مع القوى الاقتصادية العالمية.
الجاليات كقوة دافعة
لطالما كانت الجاليات السورية المنتشرة حول العالم تمثل مخزوناً بشرياً ومالياً وثقافياً هائلاً، ولكن، في سياق التحولات الراهنة، تتغير النظرة إلى هذه الجاليات من مجرد كتل اجتماعية إلى شركاء فاعلين في مسيرة إعادة بناء الوطن، والزيارة الحالية للرئيس الشرع إلى واشنطن ولقاؤه بالجالية السورية هناك يؤكدان هذا التوجه الجديد.
فقد أعلن هذا اللقاء بوضوح تحويل الجاليات من دور رمزي، يقتصر على الدعم المعنوي أو التحويلات المالية الفردية، إلى شريك فعلي ومحرك اقتصادي، وما رؤوس الأموال والخبرات المغتربة إلا مورد استراتيجي أساسي وشريك للنمو الاقتصادي المستدام، وتهدف هذه الشراكة إلى ضخ الاستثمارات في قطاعات حيوية مثل إعادة الإعمار، الخدمات، والبنية التحتية، بعيداً عن تعقيدات المساعدات الخارجية التقليدية.
هذا التركيز على الجاليات ليس محض مصادفة، بل هو نتيجة إدراك عميق لقدراتها الكامنة، فالمغتربون السوريون يمتلكون شبكة علاقات دولية واسعة، ومعارف مهنية متقدمة، ورؤوس أموال يمكن أن توجه نحو مشاريع تنموية ذات أثر ملموس، حيث تسعى الحكومة السورية إلى توفير بيئة جاذبة لها، من خلال إصلاحات اقتصادية وتشريعية تضمن الشفافية وتحمي حقوق المستثمرين.
سياسة واقتصاد في لقاء تاريخي
اللقاء المرتقب بين الرئيس الشرع والرئيس ترامب في البيت الأبيض ليس مجرد بروتوكول دبلوماسي، بل كان تتويجاً لجهود حثيثة لفتح صفحة جديدة في العلاقات السورية الأمريكية، هذا اللقاء، الذي وصفه الكثيرون بالتاريخي، يمثل فرصة استراتيجية لسوريا لكسر حلقة العزلة والبحث عن مسارات جديدة للتعاون.
وأحد أبرز المؤشرات على تغير المناخ الدبلوماسي هو رفع الولايات المتحدة للعقوبات عن القيادة السورية قبيل الزيارة، هذه الخطوة تفتح الباب أمام نقاشات جادة حول تسهيل حركة التجارة وجذب الاستثمارات الأجنبية، ولاسيما من الشركات الأمريكية، في قطاعات حيوية مثل البنية التحتية، الطاقة، والتكنولوجيا، إن إعادة الاتصال مع أقوى المراكز الاقتصادية في العالم أمر بالغ الأهمية لإعادة إعمار سوريا وتحقيق نمو اقتصادي مستدام.
الأمن والاستقرار كركيزة للنمو
ولن يقتصر النقاش على الجوانب الاقتصادية فحسب، بل سيشمل أيضاً تعزيز التعاون الأمني، بما في ذلك إمكانية انضمام سوريا إلى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لمكافحة تنظيم «داعش» الإرهابي، هذا الربط بين الأمن والاستقرار الاقتصادي يعد حجر الزاوية لأي عملية إعادة إعمار ناجحة، حيث لا يمكن تحقيق تنمية مستدامة في غياب الأمن، وإن تعزيز الاستقرار الإقليمي من شأنه أن يعزز ثقة المستثمرين ويشجع على عودة رؤوس الأموال، كما تشير بعض المصادر إلى التعاون الأمني المتزايد بين سوريا والعراق بعد سقوط نظام الأسد، يعزز هذا التوجه الإقليمي نحو الاستقرار.
الدبلوماسية الشاملة وتوحيد الصف
إن الرؤية الجديدة للدبلوماسية السورية تتجاوز مجرد العلاقات بين الدول لتشمل بناء جسور الثقة مع مختلف الأطراف، سواء كانت جاليات في الخارج أو قوى دولية، هذا النهج الشامل يهدف إلى استغلال كل الفرص المتاحة لإعادة بناء سوريا.
في سياق هذه التحولات، تشير التقارير إلى قيام وزير الخارجية أسعد الشيباني بإعادة توظيف 21 دبلوماسياً سابقاً كانوا قد انشقوا، هذه الخطوة لا تعكس فقط جهود إعادة بناء المؤسسات الدبلوماسية، بل تبعث برسالة واضحة حول الرغبة في توحيد الصفوف والاستفادة من جميع الكفاءات لخدمة المصلحة الوطنية، إن إعادة هؤلاء الدبلوماسيين، مع خبراتهم وعلاقاتهم، يمكن أن يعزز قدرة سوريا على التواصل بفعالية مع المجتمع الدولي.
نحو سوريا مزدهرة
الرئيس أحمد الشرع، الذي كان سابقاً من رموز المعارضة، وبعد رفع العقوبات عنه يتحول اليوم إلى قائد يمثل ضمانة للوحدة الوطنية، هذه الخلفية تمنحه مصداقية خاصة في التعامل مع مختلف الأطراف، داخلياً وخارجياً، وإن قدرته على قيادة هذه المرحلة الجديدة من الانفتاح والدبلوماسية الشاملة ستكون مفتاحاً لنجاح جهود إعادة الإعمار والتنمية.
إن هذه الزيارة لا تمثل مجرد حدث عابر، بل هي محطة مفصلية في تاريخ سوريا الحديث وبداية لمرحلة جديدة في مسيرة إعادة بناء سوريا، من خلال تفعيل دور الجاليات، وتعزيز الشراكات الدولية، تفتح سوريا أبوابها نحو مستقبل واعد يعتمد على التعاون، والاستثمار، والتنمية المستدامة، توحيد الجهود الوطنية والدولية هو السبيل الوحيد لاستعادة سوريا لمكانتها الطبيعية كدولة فاعلة ومزدهرة في المنطقة والعالم.
واللقاءات التي عقدها الرئيس الشرع لا تقتصر على إعادة تأهيل سياسي، بل تمتد لتشمل إعادة تعريف الدور الاقتصادي للجاليات السورية وربط مصالحها بمصالح الوطن الأم، ومن خلال هذه الدبلوماسية الشاملة التي تدمج السياسة والاقتصاد، تسعى سوريا إلى بناء مستقبل مزدهر يعتمد على التعاون الدولي والشراكة الفعالة، بعيداً عن صراعات الماضي، وهي دعوة مفتوحة للاستثمار في الأمن والاستقرار والتنمية، لتستعيد سوريا مكانتها كلاعب فاعل في المنطقة والعالم.