كيف ستنقلب المعادلة لصالح الليرة السورية بعد رفع العقوبات.. ؟ خبير اقتصادي يرسم مسار إنعاش الليرة السورية

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – أنطوان بصمه جي :

بين الأرقام الرسمية التي تعلنها الدولة السورية وبين نبض الشارع، ثمة فجوة لا تغلق في قلب هذه الهوة، يعيش السوريون بين سعرين للصرف : واحد رسمي معلن ترفعه الدولة شعاراً على واجهة الاقتصاد، وآخر يسعر في دهاليز السوق السوداء، ويحدده جشع المضاربين وأنفاس الحرب، فما هو مصير أسواق الصرف مع إعلان الرئيس الأمريكي ترامب بتمديد رفع العقوبات على سوريا لمدة 6  أشهر إضافية والتي تعيد رسم خريطة التعافي الاقتصادي في سوريا؟

كشف عضو الهيئة التدريسية في كلية الاقتصاد بجامعة حلب الدكتور عبد الحميد صباغ عن وجود سعر صرف رسمي لا يعتمد عليه في المعاملات الفعلية والبالغ 11 ألف ليرة سورية في المقابل يوجد سعر صرف السوق السوداء يبلغ 12 ألف ليرة تقريباً والذي يتشكل نتيجة عوامل عديدة من أهمها المخاطر السياسية، وعرض النقد الأجنبي، والثقة، مبيناً أن رفع العقوبات يزيل أهم عوامل المخاطر، ما يسمح بالاستقرار عند مستوى يعكس بشكل أكثر الظروف الاقتصادية الفعلية.

زيادة عرض النقد الأجنبي

وأضاف الدكتور صباغ خلال تصريحه لـ”الحرية” أن رفع العقوبات سيؤدي إلى زيادة عرض النقد الأجنبي من خلال تحويلات المغتربين عبر القنوات الرسمية بدلاً من السوق السوداء، ودخول مساعدات تتعلق بإعادة الإعمار عبر القنوات الرسمية، وارتفاع طفيف بالصادرات وتحقيق عائد بالنقد الأجنبي، وبالتالي ارتفاع الطلب على الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وهذه العوامل مجتمعة ستؤدي إلى زيادة عرض النقد الأجنبي في الاقتصاد الرسمي ويخفف الطلب عليه، ومن المرجح أن تشهد سوق الليرة السورية تحسناً سريعاً أولياً يليه استقرار تدريجي، إلا أن التحسن المستدام سيحتاج إلى وقت، مبيناً أنه سنلحظ ارتفاعاً سريعاً في سعر صرف الليرة السورية في السوق السوداء بمجرد الإعلان بشكل رسمي ونهائي عن رفع العقوبات، وذلك مدفوعاً بالتوقعات (العامل النفسي).

وبالانتقال إلى الاستقرار الاقتصادي طويل الأجل، نوه عضو الهيئة التدريسية في كلية الاقتصاد بأنه يحتاج إلى دعم بعوامل اقتصادية حقيقية وهذا يعتمد على السياسات المالية والنقدية، الطاقة الإنتاجية للاقتصاد السوري، وحجم تدفقات رأس المال، واستقرار في البيئة السياسية والأمنية.

رفع سعر الفائدة من أجل تشجيع الادخار

وفيما يتعلق بالآليات التي يمكن للمصرف المركزي السوري اتخاذها من أجل احتواء سعر الصرف نحو الاستقرار بعد رفع العقوبات ومنع المضاربة، بيّن الدكتور صباغ أن ذلك يعتمد على مدى قدرة المصرف المركزي على استخدام مجموعة من الأدوات وذلك بشكل فعلي وبمصداقية وشفافية عالية، من أهمها رفع سعر الفائدة من أجل تشجيع الادخار بالليرة السورية، وبيع سندات حكومية، والتدخل المباشر في السوق عن طريق إدارة احتياطيات النقد الأجنبي، بالإضافة إلى إصلاح نظام سعر الصرف بالاعتماد على سعر صرف مرن مدار، حيث يحدد المصرف المركزي نطاقاً للتقلب يتدخل عنده “منطقة هدف غير معلنة”.

وعن الإجراءات المتعلقة بمكافحة المضاربة، فتتم من خلال توفير بدائل آمنة كإصدار شهادات إيداع بالليرة أو بالدولار بفوائد تنافسية تشجع المدخرين على عدم اللجوء إلى المضاربة، وجود رقابة فعالة وشديدة على الصرافين من خلال ربطهم بالنظام المصرفي، وتخفيف القيود للحصول على النقد، أما عن الطلب عبر القنوات الرسمية أوضح الدكتور صباغ أنه من المتوقع زيادته ولكن بشكل تدريجي، لأن إعادة الثقة تحتاج إلى وقت ومزيد من الإصلاحات، وذلك من خلال الشفافية والإفصاح من قبل المصرف المركزي، وأن يكون المصرف قادراً على تلبية طلبات العملاء من النقد الأجنبي للعمليات الأساسية، ومعالجة مشاكل النظام المصرفي  “رسملة، ديون متعثرة، حوكمة ” وإعادة هيكلة القطاع المصرفي ليكون قادراً على تمويل الاقتصاد الحقيقي.

رفع العقوبات سيؤدي إلى انخفاض المخاطر القانونية

وأشار الدكتور صباغ خلال حديثه إلى التأكيد على أن رفع العقوبات سيؤدي إلى التخفيف أو إزالة بعض المخاطر منها انخفاض المخاطر القانونية، وإعادة ربط النظام المصرفي السوري بالنظام المصرفي  العالمي وبالتالي سهولة التحويلات المصرفية، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض تكلفتها، ويحقق استقراراً نسبياً بسعر الصرف، ووجود سوق نظامي للصرف الأمر الذي يوفر السيولة.

وعن أهم القطاعات الاقتصادية التي يمكن أن تكون رأس حربة لجذب الاستثمارات، كشف عضو الهيئة التدريسية في كلية الاقتصاد أن قطاع البنية التحتية سيكون في المقام الأول وذلك لأنه القطاع الأكثر تدميراً والأكثر حاجة ” بناء، الإسمنت، الحديد” يليه قطاع الطاقة “النفط والغاز والطاقة المتجددة” حيث يعتبر المصدر الرئيسي للدخل قبل  عام ٢٠١١ أي قبل بداية الثورة السورية، ويحتاج لاستثمارات ضخمة لإعادة تأهيله، وبما تمثله جاذبية عائداته العالية، وقطاع الطاقة المتجددة وذلك لتلبية النقص الحاد في الكهرباء، تليها باقي القطاعات كالزراعة والصناعات الغذائية، القطاع الصحي والأدوية، والقطاع المالي والمصرفي.

سياسات اقتصادية رشيدة

وختم الدكتور صباغ حديثه بالقول إن رفع العقوبات هو شرط ضروري وملح للاقتصاد السوري، ولكنه غير كافٍ للتعافي الاقتصادي، فهو يزيل العقبات الخارجية ولكن إعادة بناء الاقتصاد والتعافي الاقتصادي من استقرار الليرة وإعادة دوران عجلة الإنتاج، تعتمد في النهاية على سياسات اقتصادية رشيدة داخلية، واستقرار سياسي وأمني، ومستوى عالٍ من الشفافية ومكافحة الفساد.

Leave a Comment
آخر الأخبار