سوريا أمام مرحلة واعدة في استقطاب الاستثمارات والحصول على القروض التنموية ودعم قطاع الإنتاج والبنى التحتية

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية – مركزان الخليل:

أكد الخبير الاقتصادي الدكتور” إيهاب اسمندر” أن زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن فصلها عن سياق تطور العلاقة السورية – الأمريكية، مشيراً إلى أن هذه التطورات، التي بدأت بلقاء الرياض، وإعلان الرئيس الأمريكي ترامب عن عزمه رفع العقوبات، تمثل نقطة تحول حاسمة لإعادة دمج سورية في الفلك الاقتصادي والسياسي العالمي.
وأوضح الدكتور اسمندر أن الإدارة الأمريكية تعمل حالياً على رفع تدريجي للعقوبات المفروضة منذ سنوات، مع بقاء بعض العقوبات على أفراد وكيانات محددة، مؤكداً أن الهدف من إعادة الاعتبار الدبلوماسي لسوريا هو جزء من استراتيجية أوسع لإعادة تنظيم المنطقة.

رفع العقوبات شرط أساسي لجذب التمويل..

وهنا يرى “اسمندر” أن رفع العقوبات هو “شرط أساسي لا غنى عنه” لجعل سورية بيئة جاذبة للتمويل مرة أخرى، وذلك لعدة أسباب في مقدمتها:
1- إزالة العائق القانوني: والذي  يسمح  للشركات والمؤسسات المالية الدولية بالتعامل مع الكيانات السورية دون خوف من الملاحقات القانونية.
2- إلى جانب مهم جداً يكمن في ضرورة “استعادة الثقة” وهذا الأمر يرسل إشارة إيجابية للمستثمرين والممولين الدوليين بأن المخاطر السياسية والقانونية قد انخفضت بشكل كبير.
3- أيضاً إطلاق التعاون الرسمي: يمهد الطريق أمام الحكومة السورية للتفاوض المباشر مع المؤسسات المالية الدولية.

دخول المؤسسات التمويلية الدولية للسوق السورية

ومن المؤشرات الإيجابية التي أحدثتها الزيارة إلى جانب إلغاء العقوبات الاقتصادية والسياسية، هو إعطاء الإشارة في رأي “اسمندر” إلى دخول المؤسسات التمويلية الدولية (IFIs) إلى السوق السورية وهذا سيحدث بالفعل وبشكل تدريجي، مستعرضاً حالة التعاون مع أبرز هذه المؤسسات:
– صندوق النقد الدولي (IMF): تم التوصل إلى تفاهمات بشأن برامج المساعدة الفنية للإصلاحات المالية والمصرفية، ومن المقرر إجراء مشاورات “المادة الرابعة” خلال ستة أشهر، مع تعيين ممثل مقيم للصندوق في دمشق.
– مجموعة البنك الدولي: هناك خطط لإرسال بعثات فنية في قطاعات الطاقة، المياه التعليم، والصحة، بالإضافة إلى منحة بقيمة 1 مليار دولار للمشاريع التنموية على مدى 3 سنوات، وإعادة تفعيل العلاقات وفتح مكتب دائم في دمشق.
– مؤسسة التمويل الدولية (IFC) أعربت عن نيتها القوية للعودة، مع خطط للتوقيع على أول مشروع استثماري قريباً، وتمويل مشاريع في الطاقة والبنى التحتية والقطاع المالي.

التحول من المساعدات إلى التمويل التنموي..

والجانب الأهم في موضوع الإيجابيات أكد “اسمندر” أن إعادة فتح باب الحديث عن القروض التنموية، يعني تحولاً في طبيعة التمويل من المساعدات الإنسانية الطارئة إلى التمويل التنموي طويل الأمد، مع التركيز على القطاعات الإنتاجية والبنى التحتية.

تحديات هيكلية ومخاطر مستمرة..

رغم المؤشرات الإيجابية التي تشمل الاستقرار النقدي الجزئي والدعم الإقليمي المتزايد، حذر الدكتور اسمندر من أن بيئة المخاطر لا تزال مرتفعة جداً بسبب التحديات الهيكلية الهائلة التي تواجه الاقتصاد السوري نذكر منها على سبيل المثال:
– انكماش الاقتصاد السوري بنسبة 83% تقريباً بين عامي 2010 و 2024، ويعيش أكثر من 90% من السكان تحت خط الفقر.
– نظام مالي هش: رأس المال المجمع للقطاع المصرفي ضعيف جداً، ما يجعله عاجزاً عن تمويل إعادة الإعمار.
– مديونية واحتياطيات منخفضة: يقدر الدين العام بـ 20-23 مليار دولار، بينما انخفض احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية بشكل حاد.
– تحديات هيكلية عميقة: تشمل دمار البنى التحتية، هجرة العقول، وأزمة ثقة عميقة في المؤسسات الحكومية.

الإصلاحات شرط للاستفادة من الفرصة..

وخلص الدكتور إسمندر إلى أن رفع العقوبات الأمريكية، يشكل ضرورة ملحة، وجاءت في وقتها، إلا أنها ليست كافية لإنعاش الاقتصاد السوري، وأكد أن الاستفادة من هذه الفرصة التاريخية لإعادة الإعمار والاندماج مع الاقتصاد العالمي تعتمد على ثلاثة محاور رئيسية:
1- الإصلاحات الهيكلية: نجاح برامج الإصلاح مع صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي في مجالات الحوكمة ومكافحة الفساد واستقلالية القضاء.
2- الاستقرار السياسي والأمني: استمرار التهدئة وحل الملفات السياسية العالقة.
3- التدفق الفعلي للاستثمارات: تحول الخطط والوعود إلى مشاريع ملموسة على الأرض، خاصة من قبل مؤسسة التمويل الدولية.
وأشار “اسمندر” إلى أن الاقتصاد السوري انتقل من وضع “المستحيل” إلى وضع “الصعب جداً”، مؤكداً أن الطريق نحو التعافي لا يزال طويلاً وشائكاً ويتطلب إرادة إصلاحية حقيقية وجذباً للثقة الدولية.
موضحاً أن مؤسسة التمويل الدولية، ووكالة ضمان الاستثمار (MIGA) ستلعبان دوراً محورياً في جذب رأس المال الأجنبي، وتمويل الصناعيين السوريين، لتحديث خطوط الإنتاج، لافتاً إلى أهمية “الصندوق السوري للتنمية” الذي أطلقه الرئيس الشرع كأداة وطنية لإعادة الإعمار، مع التركيز على الشفافية لكسب ثقة المانحين.

تحسن مؤشرات المخاطر..

وفيما يخص بيئة المخاطر، أوضح الدكتور اسمندر أن رفع العقوبات يحسنها بشكل كبير، مشيراً إلى مؤشرات إيجابية تشمل عدة قضايا مهمة لا تقل في أهميتها عما ذكرناه منها:
– الاستقرار النقدي الجزئي: التزام البنك المركزي باعتماد سعر صرف موحد وتحسن ملحوظ في السوق الموازية.
– الدعم الإقليمي: اهتمام متزايد من شركاء إقليميين مثل السعودية وتركيا والإمارات، ما قد يوفر خطوط تمويل وقنوات تجارية ويخفض “علاوة المخاطرة”.
– فتح القنوات المالية: إمكانية تحويل الأموال عبر القنوات الرسمية يحد من مخاطر التعامل بالنقد.

Leave a Comment
آخر الأخبار