عزوفٌ عن توريد الذرة الصفراء بدير الزور رغم افتتاح مركز للتسويق.. والتسعيرة على رأس الأسباب

مدة القراءة 9 دقيقة/دقائق

الحرية – عثمان الخلف:

لم تُسجل في دير الزور أي عمليات توريد لمحصول موسم الذرة الصفراء، للعام الجاري، حتى تاريخه، وذلك بالرغم من افتتاح فرع المؤسسة العامة للأعلاف مركزاً للاستلام في ناحية التبني، بريف دير الزور الغربي منذ أول من أمس الثلاثاء.

تسعيرة مؤسسة الأعلاف غير مُجزية مع غياب المكافآت والحوافز التشجيعيّة

عزوفٌ واضح

بدا واضحاً للعيان أن ثمة عزوفاً لدى فلاحي المحافظة ممن زرعوا محصول الذرة الصفراء، هذا الموسم، عن توريد المحصول إلى فرع المؤسسة العامة للأعلاف، تمحورت أسبابه، حسب أحاديثٍ لعددٍ من الفلاحين مع مكتب “الحرّية” بدير الزور، حول أن سعر الشراء الذي وضعته المؤسسة العامة للأعلاف غير مُجزٍ، قبالة ماتكبدوه من تكاليف مُرتفعة لزراعته، بدءاً بحراثته، إلى عمليات الري، وتزويده بمادة السماد، إلى حين قطافه، ناهيك عما سيُضاف لذلك من تكاليف أجرة نقل المحصول إلى مركز الاستلام الوحيد المُفتتح في ناحية التبني، بالنسبة للمناطق البعيدة جغرافياً عنه، إذ يُؤكد جاسم الحسين – من سكان بلدة الخريطة، ويمتلك حقلاً للذرة الصفراء، مؤلف من 5 دونمات، بأن السعر المُستحق فعلياً لا يجب أن يقل عن 325 دولاراً للطن الواحد، فكلفة حراثة الدونم الواحد وصلت إلى 250 ألف ليرة سورية، وكيس السماد 350 ألفاً، في حين أن سقاية الدونم الواحد بلغت كلفتها 500 ألف ليرة، وكانت مع مجموع عدد الريات بكلفة 2 مليون ليرة، وكلفة قطاف الكيس الواحد من الذرة 20 ألف ليرة، وبذار الذرة الذي يحتاجه الدونمٌ الواحد كلفته 1,4 مليون ليرة، عدا عن أجرة العاملين، مُشيراً إلى أن متوسط إنتاجيّة الدونم تبلغ 700 / كغ.
وبذلك تكون كلفة سقاية 5 دونمات، هي 2 مليون ليرة وأكثر حسب عدد الريات، وتسميد الحقل الذي وضعت فيه 4 أكياس هي 1,4 مليون ليرة سورية، والحراثة 1,2مليون ليرة، تُضاف 20 ألف ليرة ثمن كيس القطاف الواحد، وبحسبة بسيطة تجد أن تسعيرة الـ250 دولاراً غير مُجزية، فكلفة زراعة المحصول بذلك تصل إلى 600 دولار، وبالنظر لكون أغلب الحيازات الزراعيّة صغيرة، مع متوسط الإنتاجيّة المذكور فإن ما سيحصل عليه الفلاح وفق هذه التسعيرة، ووفق مساحة الحقل المذكورة آنفاً هو 1125 دولاراً، وبذلك يكون هامش الربح قليلاُ، هذا إن لم نُضف عليها ما سيُتبع من تكاليف قطاف المحصول ونقله لتوريده للمركز، إضافةً لتكاليف الوقاية ورش المبيدات.
ويلفت عبد الوهاب المصطفى – من سكان بلدة المريعيّة بالريف الشرقي- إلى أن لا مكافآت تشجيعيّة تُعطى لدفع الفلاح لتوريد إنتاجه، هذا ناهيك عما سيتكبده من تكاليف في عمليات النقل، بالنظر لبعد مركز الاستلام عن كثير من مناطق دير الزور، وما سيواجهه الفلاح من مشاكل بخصوص الرطوبة ونسبها والمعايير التي وضعت لاستلام الذرة المُنتجة، الأمر الذي يدفعه لبيع إنتاجه في السوق المحليّة، في ظل مخاوفه من هطول الأمطار وما سيواجهه من مشاكل على صعيد تجفيف محصوله، والذي يتم يدوياً، على فسحات الطرق وأسطح المنازل، مُبتعداً بذلك عن الإشكاليات التي ذكرناها، فتجد سعر الطن الواحد عند التجار المحليين يصل إلى 255 دولاراً، مُتجاوزاً السعر الرسمي، مع ما سيوفره البيع المباشر عليهم من تكاليف وجهود كذلك.

1024 هكتاراً مساحات الذّرة المزروعة والتوقعات الإنتاجيّة 7500 طن

جاهزية.. ولكن

من جانبه أكد مدير فرع المؤسسة العامة للأعلاف بدير الزور، المهندس يحيى الراوي في تصريح لـ”الحرّية “، اتخاذ كافة إجراءات استلام محصول الذرة الصفراء من الفلاحين، وذلك في المركز الخاص بذلك، والمُفتتح في ناحية التبني، بريف المحافظة الغربي، مُقراً بالوقت نفسه بأن لا إقبال على التوريد إلى الآن، رغم مرور 4 أيام على افتتاحه لغرض تسويق المحصول لهذا الموسم، آملاً أن يختلف الوضع خلال الأيام القادمة، شاكياً من عدم امتلاك فرع مؤسسته مُجففاً خاصاً بها.

أسباب العزوف

معاون مدير زراعة دير الزور للشؤون الزراعيّة ووقاية المزروعات المهندس عبد الحميد العبد الحميد، أشار إلى زراعة محصول الذرة الصفراء، تتم وفق عروتين، وهما: عروة أساسيّة، وأخرى تكثيفيّة، الأولى تُزرع في شهر نيسان، والثانيٍة من 15 حزيران، لغاية 15 تموز من صيف كل عام.
موضحاً أن زراعة محصول الذرة الصفراء في دير الزور يتم كعروة تكثيفيّة، وقد بلغت مساحات الحقول المزروعة لهذا الموسم 1024 / هكتاراً، فيما تصل التقديرات الإنتاجيّة إلى 7500 طن.
وأضاف: ” هناك جملة من الأسباب تقف خلف عزوف الفلاحين عن توريد محصولهم، ويأتي على رأس تلك الأسباب، تأخر المؤسسة العامة للأعلاف في وضع التسعيرة الخاصة بشراء المحصول، مُقراً بأنها غير مُجزية، بالنظر لارتفاع تكاليف مستلزمات العمليّة الإنتاجيّة، إضافةً لتأخر صدورها، حيث صدرت أول من أمس، ففي العادة يبدأ قطاف أو حصاد محصول الذرة بداية شهر تشرين الأول من كل عام، وبالتالي فإن تسعيرة المحصول كان لابد أن تصدر في بداية الشهر المذكور، مع آلية الاستلام وشروطه وموعده، لكن سعر الشراء لم يصدر إلا قبل يومين من الآن، وبالتالي فإن مؤسسة الأعلاف تتحمل مسؤولية على هذا الصعيد، مع عدم امتلاك فرع أعلاف دير الزور مُجففات خاصة به، والموجود منها يعود لإحدى المنظمات الدوليّة يعمل في ناحية التبني، وطاقته الإنتاجيّة ضعيفة جداً، هنا مع تأخر صدور التسعيرة، وكون موعد القطاف أو حصاد المحصول قد بدأ منذ بداية الشهر الفائت، فإن الفلاح يضطر خوفاً من هطول الأمطار الخريفيّة وما سيواجهه من مشاكل بالنسبة لتجفيف المحصول كونه يتم في الغالب يدوياً، إلى بيعه في السوق المحليّة، حيث يُباع كما في أسواق مدينتي الميادين والعشارة وبلدة الشّميطيّة، وهذا رصدته عياناً، بسعر يتراوح مابين 2900 – 3000 ليرة سورية للكيلو الواحد، ويتم بيعه بغض النظر عن التجفيف ونسبة الرطوبة، في حين أنه عند التوريد لفرع مؤسسة الأعلاف، لابد أن لا تتجاوز نسبة الرطوبة ال14 %، وبالتالي سيعيش الفلاح قلق القبول والرفض وما يتبعه من تكاليف اللجوء للتجفيف، وما يرافق ذلك من أجرة تحميل ونقل، فسابقاً كان هنالك 4 – 5 مراكز استلام، وهي بذلك قريبة بالنسبة للفلاح بمختلف المناطق، فيما اليوم لا يوجد سوى مركز واحد، وهو المُفتتح في التبني، وبالتالي فهو يجد أن السعر بالسوق المحليّة أفضل مع ما يوفره ذلك عليه من تكاليف ذُكرت آنفاً حول التوريد لمؤسسة الأعلاف.

تأخر صرف فواتير محاصيل أخرى يدفع إلى العزوف عن التوريد

ويلفت المهندس العبد الحميد إلى الدور السلبي الذي لعبه تأخر صرف فواتير محاصيل أخرى كالقمح والقطن، إلى درجة أن بعضها عن العام الفائت ولم تُستكمل بعد، ناهيك عن غياب المكافآت والحوافز التشجيعيّة التي تدفع الفلاح لتفضيل تسويق محصوله للمؤسسة، فالسعر المُعطى من مؤسسة الأعلاف مُقارب للسوق المحليّة بل أقل، مع فارق ما سيواجهه كما أسلفنا من تكاليف حين التوريد، ناهيك عن تأخر صرف ثمن المحصول، فبيعه بالسوق المحليّة يضمن استلام الثمن مباشرةً.

تساؤل

اضطرار الفلاح لبيع محصول في السوق المحليّة جاء للأسباب المذكورة سابقاً، إن لجهة التسعيرة الموضوعة من قبل المؤسسة العامة للأعلاف، وهي غير مُجزية، ناهيك عما سيواجهه من تكاليف حين توريده لمركز التسويق، فهنالك فارقٌ واضح بين التسعيرتين تميل كفته لتجار السوق المحليّة، والذين أيضاً خفضوا من سعر الشراء قليلاً، بالنظر لما يُفرض عليهم من أجور من قبل الجمارك، والذي يدفع ثمن ذلك بالنهاية هو الفلاح، الذي بات يجد نفسه الخاسر الوحيد بالمعادلة، وسط تساؤلات حول ماهية ما يُسمى الترفيق وواقعية ما يُفرض بموجبه، هي تساؤلات تحتاج إجابة، مع مُجمل ما يجري بالنسبة لمشهد زراعة محصول الذرة الصفراء وسواها من محاصيل استراتيجيّة، والتي تتطلب دعماً والتفاتة من قبل وزارة الزراعة والحكومة، فالأمن الغذائي بلاشك هو خطٌ أحمر، ونهوض القطاع الزراعي في سوريا، لاسيما بدير الزور وعموم المحافظات الشرقيّة يعني تعافياً على مختلف الصعد، فالشرق السوري هو سلة الغذاء الرئيسة كما نعلم ويعلم المعنيون بالشأن الزراعي.

Leave a Comment
آخر الأخبار