الحرية- متابعة مها سلطان:
السؤال أعلاه يسجل حضوراً دائماً على الساحة السياسية الإقليمية والدولية، وحتى في الداخل السوري، حيث إن الرئيس أحمد الشرع يدير علاقات سوريا الخارجية ضمن أصعب مسارين، وفي آن واحد، مع الولايات المتحدة الأميركية ومع روسيا، وهو يحقق مكاسب على كلا المسارين.
صحيح أن التركيز يبدو أكبر على الولايات المتحدة إلا أن روسيا حاضرة على خط مواز، لن نقول إن التركيز متماثل أو إن روسيا والولايات المتحدة هما في الكفة ذاتها، ولكن كل منهما له دوره في مستقبل سوريا.. لناحية روسيا التاريخية في سورية، ولناحية أميركا المستقبل في سوريا، وهو ما يعمل عليه الرئيس الشرع بثبات وحذر في آن، والجميع يعلم حجم التحديات في تحقيق عملية التوازن في العلاقات مع واشنطن من جهة ومع موسكو من جهة ثانية، فكيف يكون الحال عندما نتحدث عن جمعها معاً، بمعنى تحقيق معادلة أن يتعاونا معاً، في سوريا، وبما يوسع دائرة المنافع والمكاسب التي تسعى إليها القيادة السورية للبدء بعملية الإعمار والتنمية.
السوريون بلا شك يتابعون كلا المسارين، وفي أدق التفاصيل، ولا يتوقفون عن طرح سؤال: كيف يمكن للرئيس الشرع تحقيق التوازن بين واشنطن وموسكو وكسبهما معاً لما فيه الخير لسوريا؟ أو بعبارة أدق: ما هو حجم النجاح الإضافي الذي سيحققه في كل تواصل له مع الولايات المتحدة أو لروسيا، سواء على مستوى الزيارات الرئاسية، أو الوفود الدبلوماسية والوزارية؟
السوريو وإن كانوا- بحكم 14 عاماً من الحرب- يطرحون أسئلتهم، بقلق في أغلب الأحيان، إلا أن ما تحقق لسوريا كثير، رغم أن التحرير لم يتجاوز بعد عامه الأول، لقد أرسى الرئيس الشرع دعائم ثقة داخلية بالتوازي مع الخارجية، وبما يجعله «قائداً فريداً في سياق السياسة السورية الحديثة» وفق وصف المستشرقة الروسية ماريا كيتشا، مؤكدة أن الرئيس الشرع «يمثل إلى حد كبير شخصية توافقية أو إنه يسعى لأن يصبح كذلك، خصوصا في سياق علاقات بلاده مع روسيا والولايات المتحدة».
تقول كيتشا وفق وكالة «نوفوستي» الروسية: الرئيس الشرع، منذ توليه مقاليد الحكم، يُظهر اهتماماً حقيقياً ومستمراً بالحوار مع روسيا والولايات المتحدة وأوروبا على حد سواء، ليس كخيار تكتيكي، بل كاستراتيجية متكاملة لإنقاذ سوريا من عزلتها المزمنة.
وتضيف: الشرع ليس قائداً يُفضّل طرفاً على آخر، بل يسعى لأن يكون جسراً بين الأطراف، وهذا ما يجعله فريداً في سياق السياسة السورية الحديثة.
وأشارت كيتشا إلى أن الحوار الروسي-الأمريكي بشأن سوريا، رغم التوترات المتكررة، لم ينقطع قط، بل ظل كقناة اتصال حيوية، حتى في أشد لحظات التصعيد.
واعتبرت أن هذا الاستمرار يعكس إدراكاً مشتركاً لدى الطرفين بأن أي حل سياسي مستقر في سوريا لا يمكن تحقيقه دون مشاركة الرئيس الشرع وحكومته.
وأكدت كيتشا أن العقوبات الدولية المفروضة على سوريا منذ عقود- والتي أضعفت الاقتصاد، ودمرت البنية التحتية، وشلّت الخدمات الأساسية- هي التحدي الأكبر الذي يواجهه الرئيس الشرع اليوم. وترى أن لقاءه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يكن مجرد إشارة رمزية، بل خطوة عملية هدفها الأساسي: كسر الحصار الاقتصادي، وإعادة إدماج سوريا في النظام الدولي، رغم تعقيدات هذا المسار.
وأضافت إن سوريا، بمواردها الطبيعية وموقعها الجغرافي الاستراتيجي على ساحل البحر المتوسط، تظل لاعباً لا يمكن تجاهله، فاحتياطياتها النفطية، وموقعها كحلقة وصل بين آسيا وأوروبا، وقربها من ممرات التجارة العالمية، تمنحها وزناً اقتصادياً واستراتيجياً يفوق حجمها الديموغرافي أو عوامل الضعف التي تعانيها.
وختمت كيتشا قائلة: سوريا ليست مجرد أرض تُدار، بل هي نقطة تحوّل. والرئيس الشرع يدرك ذلك جيداً، وهو يلعب ورقة التوازن بحذر، لكن بثبات. والقوى الكبرى، مهما اختلفت مصالحها، لا يمكنها تجاهل هذا الواقع.