المشاريع الصغيرة بدائل واقعية للتمكين الاقتصادي في سوريا.. من مبادرات فردية إلى منظومات إنتاج مستدامة

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية- باسمة إسماعيل:
تبرز المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر في ظل التغيرات الاقتصادية، كأحد أهم البدائل الواقعية للدخل، خاصة في المناطق الريفية في ظل تقلص فرص العمل وارتفاع الضغوط المعيشية، وبين الحاجة الاقتصادية ورغبة الكثير من النساء في إثبات الذات، تحولت المهارات المنزلية والحرفية المتوارثة إلى مساحة إنقاذ اقتصادي للكثير من الأسر، من خلال تحويل هذه المشاريع لموارد إنتاجية حقيقية.
وبين دعم محدود وطموحات واسعة، يبقى السؤال: كيف يمكن لهذه المشاريع الفردية أن تتحول إلى مشاريع اقتصادية قادرة على الاستمرار والنمو؟

طريق التحول نحو الاستدامة

“الحرية” في حديثها مع الدكتور علي عيسى- دكتوراه في العلوم الاقتصادية ومدير الجامعة الأوروبية بنظام العمل عن بعد، عن كيفية تحويل المشاريع الصغيرة لمشاريع اقتصادية مستدامة، بيّن الدكتور علي أنه في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي فرضت نفسها خلال السنوات الماضية، دفعت الكثير من الأسر، خصوصاً في المناطق الريفية، والمناطق التي تضررت بنيتها الإنتاجية، للاعتماد على المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، ومع تراجع القدرة التشغيلية للدولة والقطاع الخاص، أصبح من الضروري النظر لهذه المشاريع ليس بوصفها حلاً فردياً مؤقتاً فقط، بل كركائز محتملة لإعادة تنشيط الاقتصاد المحلي، وتمكين فئات واسعة من المجتمع، وعلى رأسها المرأة الريفية.

المرأة الريفية طاقة اقتصادية غير مرئية

وأضاف د.علي: إن قوة هذه المشاريع تكمن في مهارة أصحابها، خاصة النساء اللواتي أثبتن قدرة لافتة على تحويل المهارات المنزلية المتوارثة إلى مصادر دخل المرأة الريفية التي كانت لسنوات طويلة شريكاً غير مرئي في العملية الإنتاجية، أصبحت اليوم فاعلاً اقتصادياً حقيقياً، الكثير من النساء نجحن في مشاريع إنتاجية مثل: تصنيع الأجبان والمربيات والمخللات، ومنتجات البيوت التقليدية، وإنتاج الحرف اليدوية، وتربية الدواجن المنزلية، موضحاً أن هذه المشاريع على صغرها، أثبت قدرة واضحة على توفير دخل مستقر نسبياً، مقارنة بظروف البطالة وضعف الأجور، وتحويلها من مبادرات فردية لمشاريع اقتصادية مستدامة يتطلب بيئة دعم متكاملة.

الجدوى الاقتصادية بين الواقع والإمكان

ولفت عيسى إلى أن التجارب المحلية تشير إلى أن هذه المشاريع يمكن أن تساهم في: خفض البطالة، خصوصاً بين النساء والشباب، وتنشيط الأسواق المحلية واستعادة الدورة الاقتصادية في القرى. بالإضافة لتأمين سلاسل إنتاج قصيرة بتكلفة منخفضة.
والحفاظ على الهوية الغذائية والحرفية المحلية كمورد اقتصادي وثقافي.
وتابع د. علي لكن الجدوى الحقيقية لهذه المشاريع لا تتحقق إلا إذا تجاوزت هذه المشاريع حدود الاستهلاك المحلي لتدخل نطاق التسويق الواسع، سواء على مستوى المحافظة أو السوق الوطنية.

معوقات تهدد استدامة المشاريع

وأكد الخبير الاقتصادي أن الاستدامة ليست مجرد فكرة في ذهن صاحب المشروع، بل منظومة متكاملة من الدعم والتمويل والتسويق، مبيناً رغم الإمكانيات الكبيرة، إلا أن هذه المشاريع تواجه مجموعة من العقبات، أبرزها:
ضعف التمويل: أغلب المشاريع تبدأ برأسمال شخصي ضئيل، ما يحد من قدرتها على التوسع.
غياب التدريب الإداري والتسويقي: الكثير من المنتجات جيدة النوعية، لكن لا تصل إلى السوق بالشكل المناسب.
صعوبة الوصول إلى الأسواق: بسبب ارتفاع تكاليف النقل وضعف شبكات التوزيع.
غياب التشبيك والتعاونيات: ما يجعل كل مشروع يعمل منفرداً بدل أن يكون جزءاً من منظومة إنتاج محلية.
التحديات القانونية والضريبية: حيث لا تزال الإجراءات التنظيمية معقدة أمام المشاريع المنزلية والمتناهية الصغر.

دور الجهات المعنية من الدعم المؤقت إلى بناء منظومة

ما المطلوب من الجهات المعنية ؟

وأوضح د. علي لتتحول المشاريع الصغيرة الرافعة اقتصادية حقيقية، لابد من سياسات فعالة وواضحة من الجهات المعنية، للانتقال من الدعم الجزئي للدعم الكامل، من خلال:
توفير التمويل الميسر عبر صناديق محلية، قروض صغيرة بفوائد منخفضة، وبرامج تمويل تشاركية.
إنشاء مراكز تدريب وإرشاد تسويقي تركز على: إدارة المشروع، تحسين الجودة، التعبئة والتغليف، التسويق الإلكتروني.
دعم إنشاء تعاونيات إنتاج وتسويق محلية، التعاونيات تجعل الإنتاج منظماً، وتخفض التكلفة، وتزيد القدرة على الوصول إلى السوق.

فتح منافذ تسويقية ثابتة

مثل أسواق ريفية أسبوعية، منصات بيع إلكترونية، ومعارض دائمة للمنتجات المحلية.
وضع إطار قانوني مرن يعترف بالمشاريع المنزلية كمشاريع اقتصادية مشروعة ويمنحها “ترخيصاً مبسطاً”.

نساء ريفيات: دعم موجود لكنه لا يكفي للارتقاء بالمشاريع

ورغم وجود بعض المبادرات الحكومية والمنظمات المحلية لدعم المشاريع الفردية، إلا أن الكثير من النساء الريفيات يؤكدن أن هذا الدعم ما يزال أدنى من مستوى تحويل مشروعاتهن الشخصية إلى مشروعات صغيرة حقيقية.
تقول ريم من ريف اللاذقية، التي تصنع منتجات غذائية: لدينا القدرة على الإنتاج، لكن مشكلتنا في التسويق، نحتاج لمنصات بيع ومنافذ ثابتة، لأن العمل الفردي يرهقنا ولا يحقق استدامة.
أما سمر، التي تدير مشروعاً منزلياً لصناعة دبس الرمان، فتشير إلى أن المشروع منحها ثقة بالنفس، لكنه ما زال هشاً، نريد تدريباً على الإدارة والتسويق، وليس فقط دعم مواد أولية.
أما رولا، التي تعمل في صناعة الأجبان البلدية، فتشير إلى تحد آخر: لدينا منتجات جيدة، لكن تحتاج إلى تعبئة مناسبة وضمانات صحية ليقبلها السوق، الدعم الذي نحصل عليه بسيط، ولا يساعدنا على الوصول إلى هذا المستوى.

من المبادرات الفردية إلى الاقتصاد المنتج

ويختتم الدكتور علي حديثه لتحويل المشاريع الصغيرة إلى اقتصاد محلي فعال، لا يتحقق بإبقاء هذه المشاريع عند حدود “المعين اليومي” بل بدمجها في رؤية أوسع للتنمية الريفية، تقوم على الاستثمار في الإنسان والمهارة والمعرفة، مبيناً أن التمكين الاقتصادي الحقيقي ليس مجرد منح أدوات إنتاج، بل ببناء سلسلة إنتاج متكاملة.
فعندما نوفر التمويل والخبرة والتشبيك، عندها فقط يتحول المشروع من مصدر دخل يومي إلى مشروع اقتصادي قادر على التوسع، والمرأة الريفية قادرة على أن تكون ركيزة لهذا التحول، إذا حصلت على دعم منظم ومستدام.

اقتصاد محلي منتج

بينت التجارب لنساء ورجال قدرتهم على الإنتاج، لكن ينقصهم الدعم الكافي الذي يسمح للمشاريع بالنمو.
تبقى المشاريع الصغيرة في سوريا فرصة كبيرة غير مستثمرة بالكامل، ومع بناء منظومة دعم حقيقية، يمكن لهذه المبادرات أن تتحول إلى اقتصاد محلي منتج، يسهم في استقرار الأسر وتنمية المجتمعات الريفية.

Leave a Comment
آخر الأخبار