الحرية ـ سراب علي:
لا شك في أن لقرار تخفيض أجور النقل في محافظة اللاذقية ، وكذلك صدور القرار الحكومي المتعلق بتخفيض أسعار المشتقات النفطية انعكاساً مباشراً، وبشكل واضح على أجور النقل، فكيف أثر ذلك على حضور الطلاب في الجامعات، ولاسيما القادمين من الأرياف البعيدة الذين كانوا يعانون مشقة المواصلات وتكلفتها الباهظة؟
الحرية استطلعت آراء عدد من الطلاب الجامعيين الذين أكدوا أن القرار، يمثل خطوة في اتجاه تخفيف الضغط المعيشي داخل الجامعات، التي تضم آلاف الطلاب وكذلك القادمون من الأرياف البعيدة الذين وجدوا في القرار بصيص أمل حقيقي، أعاد إليهم القدرة على متابعة دراستهم دون أن تكون تكلفة الطريق عائقاً أمام طموحهم.
خير بيك: التأثير إيجابي لكنه محدود ما لم تُعالج التحديات الهيكلية
بصيص أمل
وأشار الطالب في كلية العلوم محمد حسين القادم من رأس البسيط أنه لمس تغييراً كبيراً إذ اعتبر أن القدوم إلى الجامعة بالنسبة له كان مغامرة يومية بسبب ارتفاع الأجرة والآن بعد قرار تخفيض الأجور وأسعار المحروقات أصبحت الرحلة إلى الجامعة ممكنة ومريحة نسبياً.
وأكد العديد من الطلاب ومنهم الطالبة سمية شحود في كلية الحقوق القادمة من ريف القرداحة أنه يمكنها تنظيم دوامها الجامعي بعد أن انخفضت الأجور، وتشير أنه قبل القرار لم يكن بمقدورها القدوم إلى الجامعة سوى يومين كل ١٥ يوماً بسبب ارتفاع تكاليف النقل.
ولفت الطالبان عبد الرحمن الأحمد وحسن المصطفى القادمان من ريف الحفة أنهما عاودا الحضور شبه المنتظم بعد أن كانا يعتمدان على المحاضرات المسجلة.

تأثير الأسعار داخل الجامعة
إلى جانب طلاب الريف يأمل الطلاب داخل الحرم الجامعي أن يكون للقرار، أثر غير مباشر على أسعار المواد في المقاصف والمطاعم والمكتبات، فانخفاض تكاليف نقل البضائع إلى المدن الجامعية ومنها اللاذقية يهيئ ظروفاً لخفض أسعار السلع أو على الأقل منع زيادتها في المرحلة المقبلة.
كما يترقب طلاب آخرون ممن يقطنون السكن الجامعي أن ينعكس تخفيض أسعار المحروقات ،على أسعار السلع والمواد الغذائية ضمن السكن الجامعي وخارجه .
تحقيق توازن
بدوره، أوضح أستاذ التنمية والسكان في قسم الإحصاء والبرمجة الدكتور أحمد نبيل خير بيك أن التخفيض الأخير يأتي ضمن سياسة دعم استراتيجية للمواد الأساسية، إذ يُعدّ قطاع المحروقات عصب الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
ويشير إلى أن القرار يستهدف تحقيق توازن دقيق بين ثلاثة أهداف رئيسية:
١ـ الحفاظ على استقرار أسعار السلع الأساسية.
٢-تثبيت الاستقرار الاجتماعي.
٣- رفع القدرة على التنقل بما يعزز الإنتاجية العامة.
يؤثر على الحضور الجامعي
كما يرى خير بيك أن تخفيض أسعار الوقود يمثل حافزاً تعليمياً مباشراً، مؤكداً أن أثره لا يقتصر على الجانب الاقتصادي بل يمتد ليصل إلى انتظام الطلاب في جامعاتهم وتحسين مستوى التحصيل العلمي.
بالأرقام
وتحدث خير بيك بالأرقام إذ بيّن أنه قبل التخفيض كانت تكاليف النقل داخل المدن تعادل نحو 10% من راتب العامل، أما تكاليف النقل من الريف إلى المدن فكانت تصل إلى 40% من الراتب، وبعد القرار انخفضت نسبة التكلفة داخل المدن إلى 8%،وتراجعت تكلفة النقل من الريف إلى المدينة إلى 32%.
ويعتبر خير بيك أن هذه الفروقات ستمكن الأسر الريفية من إعادة ترتيب أولوياتها، ما ينعكس على حضور الطلاب في الجامعة عبر:
١- انخفاض معدلات الغياب.
٢- رفع مستوى التحصيل العلمي.
٣- تخفيف ظاهرة التسرب الدراسي الناتج عن عجز بعض الأسر عن تغطية تكاليف التنقل.
تنشيط السكن الجامعي
ويشير خير بيك إلى أن تخفيض أسعار الوقود سيترك تأثيرات لافتة على المدن الجامعية التي تعتمد على حركة الطلاب والأسواق المرتبطة بهم مثل اللاذقية وإن القرار ينعكس على الاقتصاد المحلي عبر:
١ـ انخفاض تكاليف نقل البضائع.
٢ـ تراجع متوقع في أسعار المواد الغذائية.
٣- تنشيط الحركة التجارية في محيط المدن ووصولها إلى الأرياف البعيدة.
وأضاف: هذا النشاط سيؤدي بطبيعة الحال إلى تنشيط الحياة الاقتصادية في المدن الجامعية، ما يخلق بيئة أكثر ديناميكية للطلاب والعاملين والقطاعات التجارية.
استدامة القرار على المحك
ورغم الإيجابيات، يلفت خير بيك النظر إلى أن استمرارية سياسة التخفيض ليست مضمونة، لعدة أسباب:
١-الضغط على الموازنة العامة.
٢-تقلبات أسعار الطاقة عالمياً.
٣-تأثيرات العقوبات الاقتصادية السابقة.
ويؤكد خير بيك أن توقيت القرارعادة ما يرتبط بموازنة دقيقة بين: الضغوط المعيشية على المواطنين ، و قدرات الدولة المالية ، و الأسعار العالمية للنفط.
بين النظرية والتطبيق
ويختم خير بيك بالتأكيد على أن تخفيض أسعار المحروقات يمثل إجراءً حيوياً في الظروف الراهنة، لكنه يبقى حلاً جزئياً في مواجهة تحديات هيكلية تتطلب معالجات شاملة ،تعيد إحياء القطاعات الإنتاجية وتضمن عدالة توزيع الدعم وتستهدف تحسين جودة الحياة للفئات الأكثر احتياجاً.
ولكن كما يقول خير بيك : يبقى الأثر الحقيقي لهذه السياسة مرهوناً بفعالية التطبيق ودرجة التنسيق بين مختلف القطاعات، في اختبار جديد لقدرة السياسات الاقتصادية على تجسير الفجوة بين الأهداف النظرية والنتائج العملية وخاصة في ظل المرحلة الانتقالية التي تشهدها سوريا.