الحرية- لوريس عمران:
يُعدّ التنمر المرتبط بالنطق غير السليم واحداً من أكثر المشكلات التي تترك آثاراً نفسية واجتماعية على الأطفال داخل المدارس. فالكثير من الصغار يعانون من صعوبات في نطق بعض الحروف أو الكلمات، الأمر الذي يجعلهم عرضة للسخرية والنقد اللاذع من قبل أقرانهم، رغم أن المشكلة تبدو بسيطة في ظاهرها.
الدكتور وسيم ديب اختصاصي النطق واللغة أكد أن البيئة الأسرية تلعب دوراً كبيراً في تشكّل هذه الصعوبات. فأسلوب التربية القائم على الدلال الزائد يسمح للطفل بتكرار الأخطاء اللغوية التي يسمعها من محيطه من دون تصحيح، مضيفاً إنه مع مرور الوقت، تتراكم هذه الأخطاء لتتحول إلى عادة لغوية يصعب التخلص منها لاحقاً، وخصوصاً إذا لم يتلق الطفل توجيهاً لغوياً صحيحاً خلال السنوات الأولى من حياته.

الأسرة خط الدفاع الأول
وأشار الدكتور ديب من خلال حديثه لـ “الحرية” إلى أن المشكلة تظهر بوضوح أكبر عند دخول الطفل المدرسة، حيث تبدأ المقارنات بين الأطفال وتبدأ معها فرصة التعرض للتنمر. مشيراً إلى أن الطفل الذي يواجه سخرية متكررة بسبب نطقه غير السليم قد يعاني من فقدان الثقة بالنفس، وتراجع في المشاركة الصفية، وصولاً إلى العزلة الاجتماعية. أيضاً مع استمرار هذه التجارب السلبية، قد تتطور لدى الطفل مشاعر القلق والخوف، وربما يميل إلى تجنب التواصل الكلامي كلياً لتفادي الإحراج.
وشدد الدكتور ديب على أن الأسرة هي خط الدفاع الأول في مواجهة هذه المشكلة. فوعي الأهل بخطورة الدلال الزائد يساعدهم على التعامل مع أخطاء الطفل اللغوية بطريقة واعية ومدروسة، تقوم على التصحيح اللطيف والمستمر بعيداً عن القسوة أو التعنيف.
منوهاً بأنه بهذه الطريقة يتعلم الطفل النطق السليم تدريجياً في بيئة آمنة تشجعه على التطور اللغوي.
ولفت إلى أن الكثير من الأسر تلجأ إلى مختصي النطق عند ملاحظة التأخر اللغوي، حيث إن بعضهم يتوقع نتائج فورية، وهو ما ينفيه الدكتور ديب، موضحاً أن الطفل يحتاج إلى وقت كافٍ لتعديل النطق الذي اعتاد عليه لسنوات، مؤكداً أن العلاج اللغوي عملية تدريجية تتطلب التعاون والصبر بين الأسرة والمختص.
الوعي المبكر والتدخل السريع
أما الحل بحسب الدكتور ديب، فيبدأ من الاهتمام المبكر بمخارج الحروف وطرق النطق السليم، مروراً بتعاون المدرسة مع الأسرة لتوفير بيئة تعليمية خالية من السخرية، وصولاً إلى اللجوء للمراكز المتخصصة عند الحاجة، مضيفاً إن معالجة هذه المشكلة لا تقتصر على الجانب اللغوي فقط، بل يجب أن تشمل توعية الأهل بأسس التربية السليمة.
ويختتم د. ديب حديثه بالتأكيد على أن التنمر بسبب النطق غير السليم ليس مجرد مشكلة لغوية، بل هو نتيجة تراكم عوامل عديدة تؤثر في الطفل نفسياً واجتماعياً. لافتاً إلى أن الوعي المبكر والتدخل الصحيح من الأسرة والمدرسة والمختصين، يمكن حماية أطفالهم من هذه التجربة القاسية، ومساعدتهم على بناء ثقة قوية بأنفسهم بالإضافة إلى تطوير قدراتهم اللغوية بالشكل السليم.