متابعة ـ يسرى المصري:
تُمثِّل زيارة الرئيس أحمد الشرع لمصرف سوريا المركزي التي جرت أمس علامة فارقة في مسيرة الإصلاح الاقتصادي الذي تقوده الحكومة السورية الجديدة، هذه الزيارة لم تكن مجرد حدث بروتوكولي روتيني، بل حملت دلالات عميقة حول أولويات المرحلة الانتقالية والرؤية الإستراتيجية لإعادة بناء الدولة السورية.
ويقول حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر حصرية تشرفنا يوم أمس بزيارة فخامة رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع، هذه الزيارة هي الأولى لرئيس جمهورية منذ افتتاح المصرف المركزي في الأول من آب من العام ١٩٥٦ من قبل فخامة الرئيس الراحل شكري القوتلي.
اطّلع فخامته على برنامج التحوّل المؤسسي والتقني وخطط التطوير الجارية في المصرف.
وقد قدمنا للرئيس عرضًا مختصرًا حول تحديث البنية التقنية، وتعزيز منظومات الرقابة والإدارة المصرفية، وتطوير إطار السياسة النقدية بما يرسخ الاستقرار المالي. كما استعرضنا التقدّم المحرز في إصلاح القطاع المصرفي، وتحديث أنظمة الدفع الوطنية، وتوسيع القنوات الإلكترونية بما يسهل الخدمات المالية للمواطنين.
كما اطّلع الرئيس الشرع على التحضيرات المتعلقة بإطلاق استراتيجية المصرف للفترة 2026–2030، وعلى الإجراءات المعتمدة لاستبدال العملة الوطنية وفق أعلى المعايير الفنية.
22 شركة أمريكية عملاقة تهتم بدخول السوق السورية مثل “فيزا” و”ماستر كارد” و”هاليبرتون” و”إس إل بي” و”بيكر هيوز”
وباسم مصرف سوريا المركزي، أتقدم بجزيل الشكر والامتنان لفخامة الرئيس أحمد الشرع على دعمه المتواصل لجهود تطوير المصرف وتعزيز دوره في تحقيق الاستقرار النقدي ودفع مسار الإصلاح المالي في البلاد باعتباره رمز السيادة المالية والاقتصادية.
التحول المؤسسي والتقني
يشكل برنامج التحول المؤسسي والتقني حجر الزاوية في خطة إصلاح القطاع المصرفي، حيث اطلع الرئيس الشرع خلال زيارته على مراحل تنفيذ هذا البرنامج الطموح الذي يهدف إلى تحديث البنية التحتية المالية والمصرفية في البلاد. هذا البرنامج لا يقتصر على مجرد تحديث الأنظمة التقنية، بل يمتد لإعادة هيكلة العمليات المؤسسية بالكامل لتعزيز الشفافية والكفاءة .
تطوير أنظمة الدفع والرقابة
اهتمت الزيارة بالاطلاع على خطط تطوير أنظمة العمل الداخلية ومنظومات الرقابة المصرفية، بالإضافة إلى أنظمة الدفع الوطنية. هذا التطوير يُعد ضرورياً لمواكبة المعايير الدولية في الرقابة المالية، ومكافحة غسل الأموال، وتمويل الإرهاب، كما يهدف لتعزيز حماية المتعاملين مع القطاع المصرفي وبناء الثقة في النظام المالي .
الاستعدادات لاستبدال العملة الوطنية
كشفت الزيارة عن التقدم في الإجراءات المتعلقة باستبدال العملة الوطنية وفق أعلى المعايير الفنية. هذا القرار يحمل دلالات سياسية واقتصادية بالغة الأهمية، حيث يُعتبر تجسيداً ملموساً للقطيعة مع النظام السابق، خاصة أن العملات الحالية تحمل صور بشار الأسد ووالده حافظ . كما أن استبدال العملة يأتي استجابة للمشكلات العملية التي يواجهها السوريون، الذين يحتاجون إلى حمل رزم من الأوراق النقدية لشراء احتياجات يومية بسيطة بسبب التضخم الحاد .
التخطيط الاستراتيجي طويل المدى
تم خلال الزيارة استعراض التحضيرات الخاصة باستراتيجية المصرف للفترة 2026-2030، ما يشير إلى أن الإصلاحات ليست مجرد إجراءات آنية لمعالجة أزمات لحظة، بل جزء من رؤية استراتيجية شاملة تمتد لسنوات قادمة، وتهدف إلى إرساء أسس متينة لقطاع مالي قادر على دعم التنمية الاقتصادية المستدامة .
السياق الإقليمي والدولي: انفتاح غير مسبق
تأتي زيارة الرئيس الشرع للمصرف المركزي في سياق التحول الكبير في العلاقات السورية-الأمريكية، حيث وصف حاكم المصرف المركزي عبد القادر الحصرية زيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن بأنها “حدث تاريخي”، معتبراً أن “جدار برلين في الشرق الأوسط سقط” . هذا الانفتاح بدأ يُثمر عن اهتمام أكثر من 22 شركة أمريكية كبيرة بدخول السوق السورية، بما في ذلك شركات عملاقة مثل “فيزا” و”ماستر كارد” و”هاليبرتون” و”إس إل بي” و”بيكر هيوز” .
التعاون مع مؤسسات التمويل الدولية
رغم الزيارة التاريخية للرئيس الشرع إلى صندوق النقد الدولي واجتماعه بمديرته العامة كريستالينا جورجييفا، إلا أن الحكومة السورية أكدت أنها لم تطلب قروضاً من الصندوق، ما يعكس رغبة في الحفاظ على الاستقلالية المالية . بدلاً من ذلك، ركزت المباحثات على أوجه التعاون الفني والإصلاح الاقتصادي، خاصة في مجالات إصلاح البنك المركزي، وتحسين جودة البيانات الاقتصادية، ورفع قدرة الدولة على توليد الإيرادات الدولارية .
سوريا مركز مالي إقليمي
تسعى سوريا إلى تحويل البلاد إلى “مركز إقليمي للتمويل الإسلامي”، إلى جانب دول الخليج وماليزيا، حيث يُعتبر هذا التوجه استغلالاً لميزة تنافسية محتملة في ظل وجود طلب كبير على الخدمات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية . ويعمل المصرف المركزي على تأسيس مركز تميز للصيرفة الإسلامية يهدف إلى تطوير حلول تمويلية في مجالات البنية التحتية والمشروعات الصغيرة والمتوسطة والإسكان .
مضاعفة عدد المصارف
تستهدف الرؤية المستقبلية للقطاع المالي السوري الوصول إلى 30 مصرفاً عاملاً بحلول عام 2030، مقارنة بعددها الحالي، في خطط طموحة لمضاعفة القاعدة المصرفية في البلاد وتنويع خدماتها .
استعادة الثقة
يعمل المصرف المركزي على إعداد خطة لرفع القيود عن السيولة سيُعلن عنها قريباً، في خطوة تهدف إلى تعزيز الثقة بالقطاع المصرفي .
جذب الاستثمارات
رغم الاهتمام الأمريكي الواسع بالاستثمار في سوريا، لا تزال هناك إصلاحات أمام جذب المستثمرين، أبرزها ايجاد منظومة قانونية محدثة وجاذبة، وتقوية البنية القضائية وآليات فض النزاعات.