عام على التحرير.. سوريا تحولت من اقتصاد مركزي يديره القطاع العام واقتصاد الظل إلى الدمج في المنظومة العالمية

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – آلاء هشام عقدة:

تواجه الإدارة الجديدة في سوريا تحديات اقتصادية عديدة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، ولا سيّما في ما يخص عملية إعادة الإعمار واختيار الهوية الاقتصادية للدولة الجديدة.
الدكتور ذو الفقار عبود أستاذ العلاقات الدولية في كلية الاقتصاد بجامعة اللاذقية بينّ لـ “الحرية” أن الإدارة الجديدة سعت في الفترة الماضية من التحرير إلى الآن لإعادة تعريف هوية الاقتصاد السوري، تحولاً من نموذج يقوم على التخطيط المركزي البيروقراطي، إلى اقتصاد السوق الحر، وذلك بهدف إنقاذ الاقتصاد من الانهيار التام، وصولاً إلى الانخراط من جديد في النظام المالي والاقتصادي العالمي.

تحديات عديدة

وأضاف ذو الفقار: إن من أهم التحديات التي تواجه الإدارة الجديدة، أن الاقتصاد السوري يعاني من تشوهات كبيرة في بنيته الهيكلية وقطاعاته، وهي تشكل تحدياً أساسياً للإدارة السورية الجديدة، حيث لا تزال آثار الحرب واضحة في مختلف مناحي الحياة، فقد أدت الحرب إلى تراجع الناتج المحلي بنسبة كبيرة، كما يعيش 90% من السكان تحت خط الفقر، وتضاعف الفقر المدقع إلى 66%، في حين تبلغ معدلات البطالة 25%، ويعتمد نحو 75% من السوريين على المساعدات الإنسانية، كما تراجعت العملة الوطنية إلى مستويات كبيرة، ما أفقدها وظيفتها الأساسية في التداول التجاري المحلي لصالح الدولار الأميركي.
ونوه ذو الفقار بأن الحكومة السورية تركز جهودها منذ التحرير نحو رفع العقوبات الدولية المفروضة، ودمج سورية في النظام الاقتصادي العالمي، وإعادة تفعيل القطاع التجاري، وهذا ما سوف ينعكس على تحسين المؤشرات الكلية للاقتصاد الوطني بشكل تدريجي.
وقد بدأت الحكومة في فترة بعد التحرير على العمل على إصلاح القطاع الإداري لتخليصه من الفساد والروتين والبيروقراطية، ثم توجهت لدعم القطاعات الزراعية والصناعية والمصرفية، وسط دعوات ورغبات محلية وعربية لضخ استثمارات في هذه القطاعات عبر تقديم تسهيلات وإعفاءات ضريبية ومحاولة تأمين الطاقة اللازمة لتشغيلها.
ويبدو أن الإدارة الجديدة تعوّل على التمويل من دول الخليج العربي وبعض الدول الاقليمية، في ما يمكن أن يماثل مشروع مارشال لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وتركز الإدارة جهودها على جذب مشاريع استثمارية كبرى، كما تعمل في الوقت نفسه على ضبط الاقتصاد غير الرسمي أو اقتصاد الظل، سواء على مستوى مكافحة الفساد والتهريب وغيرها.

إجراءات الحكومة السورية

وأضاف ذو الفقار: جعلت الحكومة السورية من أهم أولوياتها محاربة الفساد، وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أساس المساءلة والشفافية، والتركيز على تعزيز الاستقرار واستدامته، رغم أن تحقيق نتائج على صعيد هذه الأولويات حتى تنعكس على حياة المواطنين اليومية يحتاج إلى مسار طويل نسبياً.
كما عملت الحكومة على إعادة تفعيل القطاع المالي والنقدي لإعادة الثقة به، فاستأنفت سوق دمشق للأوراق المالية التداول بعد ستة أشهر من التوقف، ما يشير إلى أن الاقتصاد السوري بدأ يتعافى، وأن سوريا تحولت من اقتصاد مركزي يديره القطاع العام واقتصاد الظل إلى اقتصاد قائم على الحرية الاقتصادية ومفاهيم اقتصاد السوق.

شروط النهضة الاقتصادية لسوريا

والفرصة اليوم متاحة أمام الحكومة لتحقيق نهضة اقتصادية شاملة خلال السنوات العشر المقبلة، وشدد ذو الفقار على أن هناك شروطاً لاستمرار الإصلاحات واستدامتها، واستقرار البيئة السياسية والأمنية، فالنمو المتوقع في القطاعين الزراعي والصناعي سوف يسهم في تقليص البطالة، وتحقيق الأمن الغذائي، كما أن فتح سلاسل التوريد والإمداد الدولية، وخطوط النقل الداخلي والدولي تدريجياً، سيعزز التجارة الداخلية والخارجية.
الخبير الاقتصادي نوه بأنه في حال تدفقت الاستثمارات الخليجية والتركية إلى قطاعات اقتصادية رئيسية في الاقتصاد الوطني، وتوفرت الشفافية والثقة لدى المانحين، فقد تتمكن سوريا من تجاوز مرحلة الإغاثة والانتقال إلى مرحلة التنمية المستدامة.

توقعات بانتعاش الاقتصاد..

وحسب المؤشرات الاقتصادية، سوف يشهد الاقتصاد السوري انخفاضاً تدريجياً في معدلات التضخم والبطالة خلال السنوات الخمس القادمة بالتزامن مع تحسن العملة الوطنية وانخفاض الاعتماد على الدولار، ولا سيما بعد إطلاق العملة الجديدة وارتفاع قيمتها الاسمية، ما سوف يسهّل عمليات التداول النقدي على مستوى الاقتصاد الوطني.
ومما سبق فإن مستقبل الاقتصاد السوري يعتمد على قدرة الحكومة على توفير بيئة سياسية مستقرة، وضبط الأمن الداخلي، وبناء مؤسسات كفوءة وشفافة.

وتبقى إعادة تعريف هوية الاقتصاد السوري -كقوى اجتماعية واقتصادية منفتحة قائمة على اقتصاد السوق- مرهونة بنجاح الحكومة في جهود مكافحة الفساد، وبناء الثقة، والتفاعل النشط مع المجتمع الدولي.
ورغم أن الطريق لا يزال طويلاً فإن التحولات الاقتصادية الجارية تشير إلى توفر لحظة حاسمة في تاريخ سوريا تتمثّل في توفّر فرصة ثمينة لإعادة بناء البلاد على أسس جديدة، ربما تكون الأفضل منذ عقود، ويعتمد مستقبل سورية على قدرة الإدارة الجديدة على تحويل الانفتاح الدبلوماسي إلى شراكات استراتيجية مستدامة، والعمل على تجاوز الحسابات الإقليمية والدولية المعقدة، واستثمار اللحظة الراهنة لبناء دولة قوية في محيطها الاقليمي، تتحول تدريجياً إلى مركز ثقل استراتيجي في استدعاء تاريخي لدورها الحضاري.

 

Leave a Comment
آخر الأخبار