استفزاز جديد يتطلب ردعاً دولياً

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية- أمين سليم الدريوسي:

لم تكن الزيارة التي قام بها رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يرافقه وزيرا الدفاع يسرائيل كاتس والخارجية جدعون ساعر، إضافة إلى رئيس أركان جيش الاحتلال إيال زامير، إلى المنطقة السورية العازلة، حدثاً عابراً أو مجرد جولة ميدانية، بل شكّلت خطوة استفزازية خطيرة تزامنت مع توغلات عسكرية في ريف القنيطرة، لتكشف مجدداً عن سياسة الاحتلال القائمة على فرض الأمر الواقع وتكريس العدوان.
فالزيارة غير الشرعية لم تكن حدثاً عابراً، بل هي مؤشر خطير على إصرار الاحتلال على تكريس عدوانه وتجاهل الشرعية الدولية، كما أنها جاءت رسالة سياسية وعسكرية تحمل في طياتها محاولة لفرض وقائع جديدة تتعارض مع قرارات مجلس الأمن، وتكرّس نهج الاحتلال القائم على التوسع والانتهاك المستمر لسيادة الأراضي السورية.
وفي هذا السياق، يكتسب بيان وزارة الخارجية والمغتربين أهميته، إذ لم يقتصر على إدانة الزيارة فقط، بل وضعها في إطارها القانوني والسياسي باعتبارها انتهاكاً صارخاً لسيادة سوريا ووحدة أراضيها، ومحاولة لتقويض المرجعيات الدولية التي تنظّم الوضع في الجنوب السوري.
فالوزارة شددت على أن جميع الإجراءات التي يتخذها الاحتلال في هذه المنطقة باطلة وملغاة ولا ترتب أي أثر قانوني، وهو توصيف لا يكتفي بالرفض، بل يهدف إلى نزع الشرعية عن أي محاولة إسرائيلية لفرض أمر واقع جديد.
ومن هنا، يصبح البيان ليس مجرد رد دبلوماسي، بل جزءاً من معركة الدفاع عن السيادة، ورسالة إلى المجتمع الدولي بأن الصمت أو الاكتفاء بالإدانة لم يعد كافياً، وأن المطلوب خطوات عملية تردع الاحتلال وتلزمُه بالانسحاب الكامل وفق اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974.
الوقائع الميدانية تؤكد أن هذه الخطوة ليست معزولة، بل تأتي في سياق سلسلة من الانتهاكات المتصاعدة: توغلات برية في القنيطرة ودرعا، اعتداءات بالمدفعية على قرى وبلدات في الجنوب، تدمير مئات الدونمات من الغابات والأراضي الزراعية، واعتقالات وإقامة حواجز عسكرية، هذه الممارسات تضرب حياة المدنيين السوريين في مصدر رزقهم وأمنهم، وتكشف عن طموحات توسعية لا علاقة لها بمخاوف أمنية كما تحاول إسرائيل الترويج.
وإذا ما وضعنا هذه الخطوة في سياق الاتفاقيات الدولية، يتضح حجم الانتهاك الذي ترتكبه إسرائيل، فاتفاقية فض الاشتباك لعام 1974 التي وُقعت برعاية الأمم المتحدة لم تكن مجرد وثيقة عسكرية، بل إطاراً قانونياً وسياسياً هدفه تثبيت الاستقرار وضمان احترام السيادة السورية ومنع أي وجود عسكري داخل المنطقة العازلة.
غير أن الاحتلال تعامل مع الاتفاقية باعتبارها فرصة لإعادة التموضع، فاستغل الظروف الإقليمية المتلاحقة لتوسيع وجوده العسكري غير القانوني، في خرق مباشر لروح الاتفاق ونصوصه.
أما على مستوى الشرعية الدولية، فإن قرارات مجلس الأمن، وعلى رأسها القرار 242 لعام 1967 الذي نص على الانسحاب من الأراضي المحتلة، والقرار 497 لعام 1981 الذي رفض ضم الجولان وأكد بطلانه، تشكّل مرجعيات ملزمة لا تحتمل التأويل، لكن «إسرائيل» عبر سياساتها المتكررة، تواصل تجاهل هذه المرجعيات وتكرّس سياسة فرض الأمر الواقع، في محاولة لإعادة إنتاج سيناريو الضم التدريجي الذي خبرته المنطقة منذ عقود.
إن استمرار إسرائيل في تحدي الشرعية الدولية، وتجاهل قرارات مجلس الأمن، يضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي: هل تبقى الإدانات والبيانات مجرد كلمات، أم تتحول إلى خطوات عملية تردع الاحتلال وتفرض عليه الانسحاب الكامل من الأراضي السورية المحتلة؟ العبرة بالخواتيم، والخاتمة المطلوبة واضحة، إنهاء الاحتلال، احترام السيادة السورية، وإعادة الاعتبار للقانون الدولي الذي لا يزال حتى اليوم يُداس تحت أقدام سياسات التوسع والعدوان.

Leave a Comment
آخر الأخبار