سياتل بعد نيويورك.. هل أميركا فعلاً على طريق الاشتراكية؟

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية- متابعة مها سلطان:

فتحت نيويورك باب الاشتراكية، فكانت سياتل أول الداخلين، وبقدر ما توقف الأميركيون، ومعهم العالم، عند فوز زهران ممداني بانتخابات نيويورك، بقدر ما سيتوقفون بصورة أكبر وأعمق مع فوز كاتي ويلسون في انتخابات سياتل.
على المستوى السياسي/ المالي الأميركي، تم اعتبار فوز ممداني تحولاً خطيراً يجب بحث أسبابه وتداعياته بدقة، وربما لم يكن من المتوقع أن تكون هذه التداعيات قريبة جداً، جاء فوز الاشتراكية ويلسون في سياتل أسرع بكثير من المتوقع، في وقت لم يتم التعامل بعد مع فوز ممداني، الآن بات بالإمكان الحديث عن تحول الاشتراكية إلى «ظاهرة ستكون لها عواقب» وفق تعبير شبكة «فوكس نيوز» الأميركية في مقال لها اليوم الإثنين، وفي قراءة المحللين، فإن التحاق سياتل بنيويورك فتح مساراً اشتراكياً وليس مجرد ظاهرة، وأننا قد نشهد التحاق ولايات أخرى بهذا المسار.
تقول «فوكس نيوز»: في واحدة من أبرز الانتخابات البلدية في الذاكرة الحديثة، أطاحت الناشطة كاتي ويلسون بالرئيس الحالي بروس هاريل في سياتل، متغلبة عليه بهامش ضئيل للغاية (50.2% مقابل 49.5%).
في الحقيقة، تتجاوز أهمية هذا التغيير المفاجئ مجرد عدد الأصوات؛ فهو يمثل تلاقي قوتين: حملة انتخابية يقودها متطوعون في مدينة اعتادت منذ زمن طويل على تناوب الموظفين في مبنى البلدية، وموجة وطنية من الحماس لدعم المرشحين ذوي التوجهات الاشتراكية، والتي تتسلل الآن حتى إلى المدن الكبرى ذات التوجهات الزرقاء.
وإلى جانب فوز زهران ممداني الاشتراكي في نيويورك، يشعر الليبراليون بالقلق إزاء ما يعنيه هذا لمدن أميركا الشهيرة، وقد أشارت هيئة تحرير صحيفة «واشنطن بوست» الليبرالية إلى أن سكان سياتل ونيويورك سيشهدون قريباً «تجربتين حقيقيتين في مجال الحكم الراديكالي».
وتضيف «فوكس نيوز»: دخلت ويلسون السباق الانتخابي دون أي خبرة انتخابية، بل بسجل حافل من النفوذ في بيئة سياتل النشطة، وبصفتها رئيسة نقابة ركاب المواصلات العامة، دافعت عن سياسات عرقلت البنية التحتية للسيارات لصالح الحافلات والدراجات.
كما ساهمت ويلسون خلف الكواليس في صياغة ضريبة الرواتب الكارثية في المدينة، وهي خطوة دفعت «أمازون» إلى نقل آلاف الوظائف عبر بحيرة واشنطن إلى مدينة بيلفيو، المدينة الصديقة للأعمال.
كما كانت ويلسون قوة تشريعية رئيسية وراء جهود سحب التمويل عن الشرطة، والتي أدت إلى انهيار في أعداد الموظفين وزيادة في معدلات الجريمة التي لا تزال الإدارة تكافح للتعافي منها.
اعتمدت ويلسون خلال حملتها الانتخابية، وبعد أدائها القوي غير المتوقع في الانتخابات التمهيدية، على أسلوب هجومي ارتكز على معالجة قضايا القدرة على تحمل التكاليف والتشرد والنقل العام بما يحرك مشاعر الناخبين، وفي الوقت نفسه، لم تُظهر هويتها الاشتراكية بوضوح، كما لم يصنفها الناخبون بأنها اشتراكية، وكل ذلك أكسب حملتها زخماً شعبياً لتحقيق فوز حاسم.
أما سبب فشل منافسها هاريل، العمدة الحالي، فقد كان القيادة الحذرة والكسل، إذ كان متردداً في التعامل مع الملفات التي قد تزعج الديمقراطيين، ورغم أنه تعهد بمعالجة التشرد والجريمة، لكنه لم يكن شجاعاً بما يكفي لإحداث التغيير الذي يريده الناخبون.
ونتيجة لذلك، فإن الناخبين الذين عيّنوه في منصبه إما لم يُصوّتوا أو لم يكونوا متحمسين بما يكفي لدعمه مجدداً. وما زاد الطين بلة أن التاريخ لم يكن في صفّه؛ إذ لم تتم إعادة انتخاب عمدة في مدينة سياتل منذ عهد غريغ نيكلز عام 2025.
وتتابع «فوكس نيوز»: إن ما حققته ويلسون يشبه إلى حد كبير حملة ممداني في مدينة نيويورك؛ فهو، كما يصف نفسه، اشتراكي ديمقراطي يترشح ضد سلطة المؤسسة الحاكمة، برسالة تتمحور حول توفير تكاليف المعيشة، وسهولة الوصول إلى وسائل النقل، وإعادة توزيع الثروة بجرأة.
ويشيد الجناح الاشتراكي في الحزب الديمقراطي بفوز ممداني باعتباره إنجازاً كبيراً.
رغم أن سياتل قد تتمتع بهويتها السياسية الخاصة، إلا أن فوز ويلسون ليس مجرد حدث محلي، بل جزء من لحظة سياسية أوسع نطاقاً يستغل فيها التقدميون المتمردون طاقة القاعدة الشعبية، ويتفوقون على المرشحين الراضين عن أنفسهم، ويستغلون موجة استياء الناخبين. وفي الوقت نفسه، لم تتجاوز نسبة المشاركة في مقاطعة كينغ، حيث تقع سياتل، 50%. ومرة أخرى، مُنح النشطاء سلطة تحديد النتيجة.
وحسب «فوكس نيوز»، تبدأ الآن الأسئلة الحقيقية: ما الذي ستعنيه إدارة ويلسون لمجتمع الأعمال والسلامة العامة في سياتل؟
إن ناقوس الخطر يدق بالفعل. وتميل مواقف ويلسون السياسية بشدة إلى مناهضة الأعمال؛ فقد دعت في حملتها الانتخابية إلى زيادة الضرائب على الأثرياء، وتوسيع دور الحكومة في الإسكان والنقل، وتعميق حماية المستأجرين.

أما بالنسبة لأصحاب العمل في المدينة والشركات الناشئة وقطاعي التجزئة والضيافة في وسط المدينة، فإن الرسالة واضحة: البيئة التنظيمية والمالية على وشك التحول – وليس لصالحهم.
أصحاب الأعمال في سياتل مُحقّون في قلقهم؛ فواجهات المتاجر الفارغة، ومعدلات الشواغر المرتفعة في المكاتب (أكثر من 30%)، والتدهور الاقتصادي بعد الجائحة، قد أثّرت بالفعل على وسط المدينة.
فيما يتعلق بالشرطة والجريمة، سعت ويلسون إلى طمأنة المعتدلين، حيث صرحت لبرنامج «ذا جيسون رانتز شو» على إذاعة سياتل ريد 770 AM بأنها «تطورت» في تعاملها مع الشرطة، وأنها لا تؤيد إلغاء التمويل الشامل لها. لكنها لا تزال ناشطة تقدمية، وقد وصفت خطاب حملتها الانتخابية الرئيس الحالي بأنه غير متجاوب بشكل كافٍ مع الاضطرابات الناجمة عن التشرد وإخفاقات القدرة على تحمل التكاليف.
بالنسبة لسياتل، لا يمكن أن تكون المخاطر أكبر؛ فإذا التزمت ويلسون بأجندة اشتراكية شاملة، فقد يواجه أصحاب الأعمال ودافعو الضرائب قريباً مناخاً غير قابل للتطبيق من ضرائب أعلى ولوائح تنظيمية أكثر صرامة ونماذج تجريبية للسلامة العامة.
وهذا القلق ليس بلا أساس؛ فبمجرد أن يقرر رئيس البلدية أن مجتمع الأعمال جزء من المشكلة، يتبع ذلك تغيير هيكلي.
وقد عانت سياتل بالفعل من تداعيات سياسات مماثلة خلال حقبة حركة «حياة السود مهمة».
السؤال الآن هو ما إذا كانت المدينة قادرة على استيعاب رؤيتها دون أن تعاني من هروب الاستثمارات، وتراجع النشاط التجاري، وعدم الاستقرار الاقتصادي. يستحق مجتمع الأعمال وقيادات إنفاذ القانون والناخبون الذين اعتقدوا أنهم يختارون الاستقرار أن يفهموا، ومع ذلك يخشى كثيرون أنهم يعرفون بالفعل نهاية هذه القصة.
وتختم «فوكس نيوز»: سيتردد صدى فوز ويلسون خارج سياتل، ولكن هنا في الوطن ربما يكون الشعور بالاستقرار الاقتصادي المتبقي قد استُبدل بحماس ايديولوجي، ومجتمع الأعمال يستعد للتأثير.

Leave a Comment
آخر الأخبار