الحرية – وديع فايز الشماس:
في إطار الجهود الحكومية الهادفة إلى تنظيم حركة الاستيراد والتصدير وتحقيق التوازن بين حاجات السوق المحلية ومتطلبات الإنتاج الوطني، صدر مؤخراً مرسوم رئاسي يقضي بتشكيل اللجنة الوطنية للاستيراد والتصدير، على أن تتبع للأمانة العامة لرئاسة الجمهورية وتتولى مهمة إقرار السماح أو المنع لاستيراد أو تصدير مختلف المواد.
يعتبر هذا المرسوم خطوة نوعية في بنية إدارة التجارة الخارجية، لما يحمله من أبعاد اقتصادية وتنموية يمكن أن تنعكس إيجاباً على القطاعات الإنتاجية والصناعية والزراعية، إضافة إلى دوره في ترشيد الاستيراد ورفع كفاءة التصدير.
تنسيق اقتصادي أعلى… وتوحيد القرار التجاري
يُنتظر من اللجنة الجديدة أن تضع حداً لحالة التشتت في القرارات المتعلقة بالاستيراد والتصدير، عبر توحيد مرجعية القرار ضمن جهة مركزية تمتلك القدرة على دراسة الأسواق، ورصد حاجات القطاعات الإنتاجية، واتخاذ القرارات المناسبة بسرعة ومرونة.
هذا التوحيد من شأنه تعزيز الانسجام بين السياسات الاقتصادية المختلفة، وإعطاء الصناعات الوطنية مساحة أوسع للنمو بعيداً عن المنافسة غير المتوازنة مع السلع المستوردة.
حماية الصناعة الوطنية وضمان توفر المواد الأولية
من أبرز الآمال المعقودة على عمل اللجنة رفع مستوى الحماية للصناعة السورية، وخاصة الصناعات الصغيرة والمتوسطة.
فاللجنة باتت مخولة بشكل مباشر بتحديد المواد التي يجب منع استيرادها لحماية الإنتاج المحلي، وكذلك السماح باستيراد المواد الأولية الأساسية لضمان استمرار عجلة الإنتاج.
هذا الإجراء يسهم في تخفيف الأعباء عن المنشآت الصناعية، وتأمين بيئة أكثر استقراراً للتوسع وتشغيل اليد العاملة.
تحفيز التصدير وفتح أسواق جديدة….
يأتي المرسوم في وقت تتزايد فيه الحاجة لتعزيز الصادرات السورية، وخصوصاً للمنتجات الزراعية والغذائية والصناعات ذات القيمة المضافة.
ومن شأن اللجنة الوطنية أن تلعب دوراً محورياً في:
– تسهيل الإجراءات أمام المصدّرين.
– إزالة العقبات الإدارية واللوجستية.
– دراسة الأسواق الخارجية وتحديد السلع ذات الميزة التنافسية.
كما يمكن للجنة إعداد قوائم موسمية للمواد القابلة للتصدير بما ينسجم مع واقع الإنتاج المحلي، ويمنع حدوث نقص في الأسواق.
دعم الزراعة والصناعات الزراعية… مسار لتحقيق الأمن الغذائي
يمثل القطاع الزراعي أحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد الوطني، وتأتي صلاحيات اللجنة الجديدة كعامل داعم لهذا القطاع عبر ضبط استيراد المنتجات المنافسة للإنتاج المحلي، وتشجيع تصدير الفائض من الخضار والفواكه والمنتجات الزراعية المصنعة.
ومن المتوقع أن ينعكس عمل اللجنة على:
– تشجيع المزارعين على زيادة الإنتاج.
– تنشيط معامل الصناعات الغذائية والتحويلية.
– تحسين العائد الاقتصادي للمنتجات الزراعية السورية في الأسواق الخارجية.
هذا بالإضافة إلى إمكانية تسهيل استيراد مستلزمات الإنتاج الزراعي من بذار وأسمدة وتجهيزات حديثة، ما يعزز كفاءة الزراعة ويرفع مستوى الإنتاجية.
مكافحة الاحتكار وترشيد الإنفاق بالقطع الأجنبي..
بناءً على الصلاحيات الممنوحة لها، تستطيع اللجنة الحد من التلاعب والاحتكار في قطاع الاستيراد، عبر وضع قواعد واضحة وشفافة تحد من الاستثناءات وتضبط حركة دخول البضائع.
كما يتيح تنظيم أولويات الاستيراد ترشيد استخدام القطع الأجنبي، وتوجيهه نحو الاحتياجات الفعلية للقطاعات الإنتاجية.
خيار استراتيجي لتعافي الاقتصاد الوطني
لا شك أن تشكيل اللجنة الوطنية للاستيراد والتصدير يمثل بنية مؤسسية متقدمة يمكن البناء عليها لإعادة ترتيب أولويات التجارة الخارجية وتحقيق توازن حقيقي بين حماية السوق المحلية ودعم الإنتاج الوطني وتشجيع الصادرات.
ومع تطبيق دقيق واستمرار التنسيق بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، يمكن لهذا المرسوم أن يشكّل رافعة أساسية في مسار تعافي الصناعة السورية، وتطوير القطاع الزراعي، وتعزيز القدرة التنافسية للمنتجات السورية في الأسواق العالمية.