الحرية – نهلة أبو تك:
تتحرك سوريا نحو إعادة تنظيم تجارتها الخارجية عبر تشكيل اللجنة الوطنية للاستيراد والتصدير، التي ستتولى للمرة الأولى وضع سياسة مركزية موحدة لمسار دخول وخروج السلع، خطوةٌ يقرؤها الاقتصاديون باعتبارها تحولاً ضرورياً بعد سنوات من التشتت في المرجعيات، وتعدد الجهات المانحة للتراخيص، وما نتج عنه من استنزاف للقطع الأجنبي وتذبذب في توفر المواد الأساسية.
إعادة ترتيب المشهد التجاري… من الفوضى إلى الأولويات
جاء إنشاء اللجنة استجابة لضرورة إصلاح مسار الاستيراد والتصدير، لا سيما بعد دخول سلع غير ضرورية إلى السوق، أو أخرى ذات جودة منخفضة، في مقابل ضعف استيراد المواد الأولية التي يحتاجها الإنتاج.
ووفق الخبراء، فإن توحيد القرار سيضع حدّاً لحالة “العشوائية التجارية”، ويمكّن الدولة من توجيه الموارد نحو القطاعات التي تحتاج دعماً فعلياً، بما يضمن بيئة أكثر قابلية للتنبؤ لدى المستوردين والمصدرين على حد سواء.
الرفاعي: القرار يعيد الانضباط النقدي.. بشرط الابتعاد عن البيروقراطية
وفي تصريح لـ”الحرية”، يؤكد الخبير الاقتصادي وعميد كلية الاقتصاد في جامعة اللاذقية الدكتور عبد الهادي الرفاعي أن تشكيل اللجنة يمثل خطوة محورية لإعادة تنظيم السوق وتعزيز القدرة على إدارة الطلب على العملات الأجنبية.
ويشير الرفاعي إلى أن ضبط قائمة المستوردات سيساعد في:
ترشيد استخدام القطع الأجنبي عبر توجيهه نحو السلع الأساسية والمواد الأولية.
تعزيز الصناعات المحلية من خلال تخفيض استيراد السلع النهائية المنافسة.
رفع الإيرادات الحكومية عبر التحصيل الكامل للرسوم الجمركية والضريبية.
التمهيد لاستقرار نسبي في سعر الصرف على المدى المتوسط.
ويلفت الرفاعي إلى أن نجاح القرار يبقى رهناً بقدرته على تجنب مطبّ البيروقراطية، محذّراً من أن التحول إلى مركزية خانقة قد يخلق تأخيرات ويفتح باباً للمحسوبيات، وهو ما يفقد اللجنة غايتها الأساسية.
تحولات مرتقبة في سياسة الاستيراد… من التشتت إلى رؤية واحدة
من المتوقع أن تنعكس ولادة اللجنة على شكل تغيّرات واضحة في السياسة التجارية، أبرزها: الانتقال إلى مركزية القرار لتوحيد الإجراءات وإلغاء التضارب بين الجهات.
اعتماد قائمة وطنية للأولويات مع منح أولوية للدواء، والغذاء، والطاقة، والمواد الأولية للصناعة دعم موجّه للتصدير من خلال إزالة العقبات أمام المنتجين ومساعدتهم على دخول أسواق جديدة.
إجراءات موحدة وشفافة تختصر الزمن وتقلل من مساحة الخطأ والتجاوزات.
ضبط المنافذ.. البوابة التي تحمي السوق وتعزز الإيرادات
يمثل ضبط المنافذ الحدودية أحد أهم مكاسب القرار، لما يوفره من قدرة على مكافحة التهريب الذي يحرم الخزينة من إيرادات كبيرة.
رفع جودة السلع عبر منع دخول المنتجات المخالفة للمواصفات.
تعزيز الأمن الاقتصادي من خلال مراقبة حركة البضائع بدقة.
زيادة الإيرادات الجمركية عبر إنهاء فجوات التحصيل.
ويعتبر اقتصاديون أن السيطرة على المنافذ هي حجر الأساس لأي سياسة تجارية ناجحة، وأن غياب الرقابة كان من أبرز أسباب فوضى السوق خلال السنوات الماضية.
خطوة مهمة… لكنها ليست كافية وحدها
ويؤكد الرفاعي أن اللجنة تمثل تقدماً ملموساً في تنظيم التجارة، إلا أن المشكلات الأعمق ترتبط بعوامل هيكلية مثل: ضعف القدرة الإنتاجية، ومحدودية الموارد النقدية، والبنية التحتية الصناعية المتضررة، وارتفاع تكاليف النقل والطاقة.
ولذلك، فإن فعالية القرار تعتمد على مدى تزامنه مع تنشيط الإنتاج المحلي وتطوير بيئة العمل وفتح آفاق جديدة أمام التصدير.
نحو سوق أكثر توازناً وقدرة على التنبؤ
في المحصلة، يشكّل تشكيل اللجنة الوطنية للاستيراد والتصدير خطوة باتجاه إعادة ضبط السوق السورية ووضع قواعد أكثر وضوحاً للتجارة الخارجية. وإذا تمكنت اللجنة من العمل بشفافية وتجاوز إرث البيروقراطية، فقد تكون نقطة تحوّل في طريق استعادة الاستقرار التجاري، وحماية المنتج الوطني، وتعزيز الإيرادات العامة.