أعلن بداية البناء بعد التحرير..  الرئيس الشرع: وحدة البلاد خط أحمر.. والانفصال جهل سياسي.. نحن رأس المال لبعضنا البعض  

مدة القراءة 8 دقيقة/دقائق

الحرّية_ متابعة أمين الدريوسي:

أكد الرئيس أحمد الشرع أن ذكرى انطلاق معركة تحرير سوريا تمثل محطة تاريخية حظيت بترحيب واسع لدى معظم السوريين، رغم وجود شريحة تأثرت بتبعاتها وأخرى استوعبت ضرورتها في إطار الحفاظ على وحدة البلاد وأمنها، مؤكداً أن الدولة تدرك أنها ستواصل مواجهة العديد من الاعتراضات والتحديات.

وفي اتصال هاتفي أجراه الرئيس الشرع خلال اجتماع محافظ اللاذقية مع وجهاء ولجان الأحياء لتعزيز السلم الأهلي، أوضح أن سوريا قطعت خلال العام الماضي، ومنذ وصوله إلى دمشق، خطوات مهمة وحققت إنجازات ملموسة على مختلف الأصعدة.

وأضاف الرئيس الشرع: سوريا شهدت خلال اليومين الماضيين العديد من المطالب الشعبية المحقة، لكن بعضها كان مسيساً إذا أردنا تسمية الأمور بمسمياتها، مشدداً على استعداد الدولة الكامل للإصغاء إلى مختلف المطالب ومناقشتها بجدية.

للساحل السوري أولوية وطنية واستراتيجية

وشدد الرئيس الشرع على أن الساحل السوري من أبرز أولويات العمل الوطني في المرحلة الحالية، نظراً لموقعه الحيوي على ممرات التجارة الدولية، ودوره في تعزيز الربط الاقتصادي بين سوريا ودول المنطقة، مؤكداً أن التنوع الاجتماعي والطائفي فيه إثراء للدولة السورية وليس موضعاً للنقاش.

وأضاف: الطروحات المتعلقة بالانفصال أو الفيدرالية غالباً ما تصدر عن قراءات ضيقة أو نقص في الإلمام السياسي، موضحاً أن حتى الدول الفيدرالية لديها مركزيات قوية في المؤسسات السيادية مثل الدفاع والأمن والخارجية والاقتصاد، وهي مؤسسات لا يمكن تجزئتها.

رفض الانفصال والفيدرالية الضيقة

وأكد الرئيس الشرع أن الجغرافيا السورية مترابطة ومتكاملة، ومن الصعب فصل أي جزء منها عن الآخر، فلا يمكن للساحل أن تكون له سلطة قائمة بذاتها منعزلة عن بقية المناطق، فموارده ترتبط بشكل مباشر مع المنطقة الشرقية، وكذلك العكس، مشدداً على أن سوريا بلا منفذ بحري تفقد جزءاً أساسياً من قوتها الاستراتيجية والاقتصادية.

وأضاف: إن التكامل القائم حالياً بين مختلف المناطق السورية اقتصادياً واجتماعياً يبرهن أن دعوات التقسيم أو الانفصال تعكس قدراً من الجهل السياسي وعدم الإلمام بواقع الدولة، موضحاً، حتى أن مفهوم الفيدرالية الذي يطرحه البعض لا يختلف من حيث الجوهر عن إطار الإدارة المحلية المعمول به في سوريا وخاصة قانون رقم 107 الصادر منذ أكثر من عشرة أعوام، والذي يتضمن بشكل فعلي كثيراً من المفاهيم المطروحة اليوم مع إمكانية إدخال تعديلات عليه.

وقال الرئيس الشرع: «نحن رأس المال لبعضنا البعض، وأي مكوّن يصبح ضعيفاً سيكون عرضة للمشكلات والمخاطر».

مرحلة البناء والتشريعات الجديدة

وتابع الرئيس الشرع أن سوريا حققت خلال العام الماضي تقدماً كبيراً رغم ثقل التحديات لأكثر من ستين عاماً وما رافقها من عقوبات وضغوط وتداعيات داخلية وخارجية، إضافة إلى القوانين الاقتصادية البالية والأنظمة الإدارية التي أثبتت سلبيتها لسنوات طويلة.

وأكد أن سوريا اليوم أمام مرحلة تاريخية بدأت منذ لحظة انطلاق المعركة في مثل هذا اليوم من العام الماضي، وهي محطة مفصلية لا تمس سوريا وحدها بل تمتد آثارها لتشمل المنطقة بأكملها، وفي هذا الظرف تتجه أنظار العالم إلى سوريا بانتظار انطلاقة جديدة تعيد التوازن والاستقرار.

وشدد الرئيس الشرع على ضرورة التفكير بعقلية استراتيجية ووضع أهداف بعيدة المدى، والتخلي عن الرؤى الضيقة التي لا تبني دولاً ولا تضمن استقراراً، مشيراً إلى أن تجارب كثيرة في دول شهدت صراعات داخلية أثبتت أن محاولات تقاسم السلطة لا تقود دائماً إلى حلول بل قد تبقى معلّقة لعقود ويسوء حالها أكثر فأكثر.

وأكد أن سوريا تجاوزت مرحلة الخطورة بفضل السياسات التي اتبعتها الدولة والتفاعل الشعبي والمجتمعي من مختلف أطياف المجتمع السوري، مشدداً على أن كل فرد في المجتمع هو جزء من صناعة التاريخ وعنصر فاعل فيه، ولا يمكن لأحد أن ينأى بنفسه أو يعتقد أن الطموحات الفردية أو السعي للسيطرة على جغرافيا معينة يمكن أن تكون بديلاً عن المشروع الوطني الجامع.

الوحدة الوطنية أساس البناء

وأوضح أيضاً أن التحديات التي يواجهها الوضع السوري معقدة وتتطلب قدراً كبيراً من الوعي والمسؤولية لتحقيق الهدف الأهم وهو سوريا موحدة ومستقرة، مؤكداً أنه على الصعيد الاقتصادي لا توجد مخاوف جوهرية لكن البلاد تحتاج إلى الوقت لمعالجة المشكلات العالقة.

وأشار الرئيس الشرع إلى أن سوريا اليوم أمام مهمتين أساسيتين في المرحلة المقبلة: حماية البلاد من المخاطر الداخلية والخارجية والتنمية الاقتصادية، لافتاً إلى أن التحديات بعد انتهاء النزاعات تكون كبيرة وضاغطة، حيث تدخل الدول في مرحلة حساسة وخطيرة تُعرف بدوامة ما بعد النزاع والتعطيل، وغالباً ما تحتاج هذه المراحل لسنوات طويلة لتجاوز آثارها، إلا أن سوريا استطاعت تجاوز هذه المرحلة.

وأكد الشرع أن عملية البناء تحتاج إلى الوقت، فالاستقرار والنمو الطبيعي للدول عادة ما يكون تدريجياً وتراكمياً، بينما القفزات المفاجئة كثيراً ما تؤدي إلى إشكالات أو تُنتج تصوّرات غير دقيقة، مشدداً على أن الدولة اليوم عازمة على وضع منظومة قوانين وأنظمة جديدة خلال السنوات الخمس المقبلة بما يتيح تأسيس أركان دولة قوية، وموضحاً أن الهدف ليس صناعة أمجاد شخصية بل بناء ما يخدم سوريا وواقعها ومستقبلها.

وأشار الرئيس الشرع إلى أن الوحدة الوطنية تشكّل ركناً أساسياً لا يمكن الاستغناء عنه، وقد شهدت سوريا في الآونة الأخيرة تفاعلاً ودعماً واسعاً من دول وشعوب محبة لسوريا، حيث تتقاطع للمرة الأولى مشاعر الشعوب مع مواقف حكّامها تجاه القضية السورية.

وأكد أن التفكير بأهداف استراتيجية بعيدة المدى ضرورة ملحّة في هذه المرحلة، مشيراً إلى أنه على دراية كاملة بحجم التحديات الخدمية التي يواجهها المواطنون سواء في الكهرباء أو الطاقة أو باقي الخدمات، موضحاً أن العمل جارٍ على تحسينها بشكل تدريجي، وأنه لا يمكن للبلد أن يقوم على حل أحادي بل من الواجب العمل على عدة مسارات في آن واحد.

وشدد على أن السوريين يجمعهم قانون واحد يحمي الجميع، وأن الدولة تعمل للحفاظ على مبدأ التشاركية وتوسيع مساهمة مختلف المكوّنات في بناء الدولة، مؤكداً رفض أي صيغة للمحاصصة أو الاستقطاب السلطوي داخل مؤسسات الدولة ووزاراتها.

وتحدث الرئيس الشرع عن تجربة إدلب التي كان يقطنها نحو خمسة ملايين نسمة وتضم عدداً كبيراً من المؤسسات، موضحاً أنه عُرض عليهم الانفصال إلا أنهم رفضوا بصورة قاطعة أن تكون سوريا إلا دولة موحدة، رغم ظروف القصف والدمار والتهجير، مؤكداً أنهم تمكنوا من تقديم نموذج اقتصادي وخدماتي متطور.

وأضاف أن اليوم على مستوى سوريا كلها باتت الإمكانيات أكبر والظروف أفضل بما يتيح حياة كريمة ومستقرة، مشدداً على أن أي طرح ضيق يهدف لخدمة مصالح شخصية لا يمثل واقع السوريين، لأن القدرة على العيش معاً هي الأساس وهي الحقيقة التي أثبتتها التجربة.

وختم الرئيس الشرع بالقول: «لقد آن الأوان لإنهاء حالة الانقسام التي زُرعت في نفوس السوريين لأكثر من ستين عاماً، نحن الآن أكثر فهماً وتماسكاً وقدرة على بناء سوريا معاً، نعوّل على الوعي الكبير الذي يمتلكه السوريون داخل البلاد أو خارجها ومحبتهم الراسخة لبلدهم لبناء سوريا أقوى وجعلها عصية على جميع محاولات التقسيم».

Leave a Comment
آخر الأخبار