تنفيذ الاستملاكات في دمشق خطوة نحو تحسين البيئة العمرانية وجذب الاستثمارات خبير: لابد من التعويض العادل والسكن البديل

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية– بشرى سمير:

تعتبر مشكلة العشوائيات من أبرز التحديات التي تواجه المدن الكبرى، وخاصة في العاصمة السورية دمشق التي تعاني من انتشار العشوائيات في العديد من مناطقها.
تأتي خطوة تنفيذ الاستملاكات كحل أساسي لمعالجة هذه القضية وتحقيق التنمية المستدامة.

مفهوم الاستملاك

بين محمود حنانيا عضو مجلس محافظة دمشق سابق أن الاستملاك هو عملية تقوم بها الدولة للحصول على ملكيات خاصة للأراضي بهدف استخدامها في مشاريع عامة.
تشمل هذه المشاريع عادة تحسين البنية التحتية، بناء مرافق خدمية، وتطوير مناطق جديدة.
في حالة دمشق، يهدف الاستملاك إلى إزالة العشوائيات وتحسين نوعية الحياة في المدينة.

أهمية التخلص من العشوائيات

وأشار إلى أن العشوائيات تؤثر بشكل كبير على البيئة العمرانية والاقتصادية للمدينة. فهي تتسبب في انخفاض مستوى الخدمات حيث تفتقر العشوائيات إلى البنية التحتية الأساسية مثل المياه، الكهرباء، والصرف الصحي وتعيق العشوائيات إعادة تأهيل المدينة وجذب الاستثمارات. وتسهم في زيادة المشكلات الاجتماعية لكونها ترتبط العشوائيات بمعدلات عالية من الفقر والبطالة.
ولفت حنانيا إلى أن الاستملاك رغم اعتراض الكثيرين عليه إلا أنه يسهم في تحسين الخدمات والبنية التحتية من خلال إزالة العشوائيات، يمكن للدولة البدء في تطوير مناطق جديدة، ما يضمن توفير خدمات أفضل للسكان كما أنه يلعب دوراً حيوياً في جذب الاستثمارات وتظهر الدراسات أن بيئة استثمارية نظيفة ومنظمة تساعد في جذب المستثمرين، ما يؤدي إلى توفير فرص عمل جديدة ودعم الاقتصاد المحلي وأضاف: مع تنفيذ الاستملاكات، يمكن تحويل المناطق غير المنظمة إلى مناطق سكنية وتجارية حديثة، ما يساهم في تحسين الصورة العامة للمدينة.

قلق السكان

ولم يغفل حنانا وجود جملة من التحديات رغم الفوائد منها المعارضة المحلية.
قد يواجه مشروع الاستملاك مقاومة من السكان المحليين الذين قد يشعرون بالقلق من فقدان منازلهم. مؤكداً أهمية التعويض العادل وضرورة وجود آلية لتعويض المتضررين بشكل عادل يضمن حقوقهم وحمايتهم أو تأمين السكن البديل كما أنه يجب أن يترافق مشروع الاستملاك مع خطة شاملة تأخذ في الاعتبار احتياجات المدينة المستقبلية.

ركيزة أساسية في سياسات التخطيط الحضري

من جانبه عصام تنبكجي مهندس مدني وخبير اقتصادي لفت إلى أنه في قلب عملية التحول العمراني والاقتصادي تبرز ظاهرة “الاستملاكات” أو تجميع قطع الأراضي كأحد أهم الأدوات الاستراتيجية لإعادة تشكيل المدينة ودفع عجلة التنمية فيها.
وأضاف: لم تعد الاستملاكات مجرد عملية بيع وشراء عقارات فردية، بل تحولت إلى ركيزة أساسية في سياسات التخطيط الحضري وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.
مبيناً أن ظاهرة الاستملاكات في عهد النظام البائد تركزت في دمشق لكونها تحتوي على مساحات واسعة وهناك طلب متزايد على المساحات الكبيرة ولم يعد بمقدور القطاعات الصناعية والتجارية والعقارية الكبرى الاعتماد على القطع الصغيرة المتناثرة. تحتاج هذه القطاعات إلى مساحات شاسعة لإنشاء مجمعات سكنية متكاملة، أو مراكز لوجستية، أو مناطق صناعية متطورة.

تنظيم العمران وتخفيف الازدحام

إضافة إلى أن التوسع العمراني في دمشق أدى إلى نضوج أراضي الضواحي وزيادة قيمتها السوقية، ما جعل عملية تجميعها استثماراً مجزياً للمالكين والمستثمرين على حد سواء خاصة مع وجود كثير من الأراضي الصغيرة التي تفتقر إلى البنية التحتية المناسبة (طرق، صرف صحي، كهرباء) وتجميعها يسمح بتطوير بنية تحتية حديثة وموحدة ترفع من قيمة المنطقة بأكملها.
ولفت إلى أن محافظة دمشق والمؤسسات المعنية فيها تسعى إلى تنظيم العمران وتخفيف الازدحام عبر توجيه الاستثمارات نحو مناطق محددة ومخطط لها، وغالباً ما تكون الاستملاكات هي الوسيلة لتحقيق ذلك.
وحول إمكانية الاستثمارات في المناطق المستملكة لفت تنبكجي إلى أنه بدلاً من أن يضيع المستثمر وقتًا وجهدًا في التفاوض مع عشرات الملاك، تقدم له شركات التجميع العقاري (الاستملاكات) أرضًا جاهزة بمساحة كافية وخرائط معتمدة، ما يسرع عملية اتخاذ القرار ويقلل المخاطر.
وأضاف: لا يمكن إنشاء مستشفى متخصص، أو جامعة خاصة، أو مجمع تجاري ضخم، أو فندق فاخر على قطع أرض صغيرة، الاستملاكات هي وحدها التي تمكّن من إنشاء مثل هذه المشاريع ذات القيمة المضافة العالية.
ومن ناحية الاستثمارات الخارجية بين تنبكجي أن المستثمر الأجنبي يفضل التعامل مع كيانات قادرة على توفير متطلبات المشروع كاملة، والأرض المجمعة هي أولى هذه المتطلبات. وجود شركات متخصصة في الاستملاكات يبعث رسالة طمأنة للمستثمرين الدوليين حول جدية البيئة الاستثمارية وعملية التجميع بحد ذاتها أصبحت قطاعًا استثماريًا قائمًا بذاته حيث ظهرت شركات ومكاتب عقارية متخصصة في دراسة السوق وتجميع الأراضي والتسويق لها للمستثمرين النهائيين وأضاف أن الفوائد ليس على جذب رؤوس الأموال فحسب، بل تمتد لتشكل دعامة حقيقية للنهوض الاقتصادي الشامل من خلال تحفيز قطاعات اقتصادية متعددة أي مشروع كبير ناتج عن استملاك يحتاج إلى مواد بناء، ومقاولين، ومهندسين، وعمالة، ما ينعش قطاعات الصناعة والبناء والتجارة. وخلق فرص العمل مراحل الإنشاء والتشغيل لأي مشروع كبير تُولد مئات بل آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، ما يساهم في خفض معدلات البطالة كما تتطلب المشاريع الكبرى تطوير الطرق، وشبكات المياه والكهرباء، والاتصالات، ما يعود بالنفع على المنطقة بأكملها ويرفع من مستوى الخدمات للمواطنين وكل ما سبق ينعكس على زيادة الإيرادات العامة وتزيد المشاريع الناتجة عن الاستملاكات من قيمة الأراضي المحيطة، ما يرفع من عوائد الضرائب والرسوم البلدية، والتي يمكن إعادة استثمارها في خدمات أخرى ومن ناحية أخرى تسمح الاستملاكات بتحويل مناطق عشوائية أو غير منظمة إلى مناطق مخططة ذات طابع عمراني حديث، ما يحسن من جودة الحياة والصورة الحضارية لدمشق.

استراتيجية لا غنى عنها

وختم بالقول: أصبحت الاستملاكات في دمشق إستراتيجية لا غنى عنها للخروج من دائرة الاستثمارات الصغيرة والمحدودة، إلى فضاء المشاريع الكبرى والتنموية. فهي ليست مجرد عملية تجميع للأراضي، بل هي أداة فعالة لإعادة إحياء المدينة، وجذب رؤوس الأموال، وإطلاق طاقاتها الاقتصادية الكامنة وإن النجاح في تطوير هذا القطاع وتذليل العقبات أمامه سيسرع بشكل كبير في عملية النهوض الاقتصادي المنشود، محولاً دمشق من مدينة تحمل تراثًا عريقًا إلى مركز اقتصادي وحضاري ينافس في القرن الحادي والعشرين.

Leave a Comment
آخر الأخبار