الحرية – عمار الصبح:
في غمرة الاحتفال بالذكرى الأولى لتحرير البلاد من حكم النظام البائد، لا ينفك السوريون يستعيدون قصصاً مؤلمة عاشوها خلال سنوات الثورة على يد القبضة الأمنية حينها، ويستحضرون بالمقابل صورة رجل الأمن في الدولة الجديدة الذي بات رمزاً ومثالاً في الأخلاق والتعامل الإنساني.
من الرعب إلى الاحترام
يؤكد مواطنون في حديثهم لـ”الحرية” أن تغيراً جوهرياً وكبيراً طرأ على تعاطي رجال الأمن مع المواطن خلال العام الأول للتحرير، إذ لا مجال للمقارنة بين صورة نمطية رسخت لعقود وشكّلت مثالاً صارخاً للسطوة والرعب لرجل الأمن في زمن النظام البائد، وبين صورة رجل الأمن في سوريا الجديدة الذي تحوّل إلى أيقونة في الاحترام والأخلاق وصون الحريات والتعامل الراقي مع المواطن.
يشير أنور أبو عيد أنه يحمل في ذاكرته، كثيراً من الذكريات والقصص المؤلمة التي عاشها كما كل السوريين بشكل يومي على حواجز النظام البائد وفي مراكز الاعتقال قبل التحرير، ولكنه في الوقت نفسه يرى أنه لا مجال لعدها الآن، فقد باتت ورغم قساوتها من الماضي وولت بلا رجعة”.
ويضيف: “رغم زوال النظام وعناصر أمنه ورعبهم، فإن ذاكرة السوريين ما زالت تحمل وجعها، فما تركته من ندوب يحتاج إلى سنوات لمحو آثاره”.
من “حواجز الموت” إلى “رافقتكم السلامة”
شكّلت الحواجز الأمنية خلال فترة حكم النظام البائد رمزاً للرعب والقهر والقتل، حيث ارتبط اسمها بقوائم لا تنتهي من حالات الاعتقال التعسفي والتعذيب الممنهج والقتل.
يشير أدهم الفياض إلى أنه لا عجب أن أطلق السوريون على الحواجز اسم “حواجز الموت”، في إشارة إلى قسوتها ووحشية عناصرها، مبيناً أنه في محافظة درعا لا تزال أسماء الحواجز ماثلة في الأذهان (المنكث، الأربعمئة، حاجز المليون، الرباعي، السنتر)، وغيرها الكثير من أسماء الحواجز التي نشرها النظام خلال سنوات الثورة، والتي لا تزال شاهدة على شتى أنواع الإجرام والتنكيل.
ويلفت الفياض في حديثه لـ”الحرية” إلى أن المشهد تغيّر كلياً بعد التحرير، فبعد سنوات طويلة عاشها السوريون في ظل آلة قمع النظام البائد، أصبحوا اليوم قادرين على التنقل في الشوارع والمدن بحرية ودون خوف، بعد أن كانت الحواجز العسكرية والأمنية المنتشرة في كل مكان بمنزلة مصيدة للاعتقال والتعذيب أو محطة للابتزاز من قبل أجهزة أمن النظام المخلوع.
ويضيف: “شتان ما بين الأمس واليوم، فرجل الأمن اليوم، يستقبلك على الحاجز أو في مكان خدمته، بالابتسامة ويبادرك بالسلام والترحيب، ويودعك بعبارات “رافقتك السلامة.. بأمان الله.. نأسف لتأخيرك)، وغيرها من عبارات الاحترام التي اشتاق السوريون إلى سماعها لسنوات طويلة.
الهوية البصرية الجديدة حاجة وطنية
عام كامل مرّ على سقوط النظام البائد، تنفّس خلالها السوريون الحرية لأول مرة منذ عقود.. عام كامل مرّ من دون قصف أو قتل تحت التعذيب أو تهجير، وبلا اعتقالات أو حواجز تثير الرعب أينما وجدت.
“مشاهد مؤلمة رحلت مع رحيل النظام”، يؤكد الباحث في الشأن الاجتماعي عبد الله الصمادي، أنه حل محلها صورة رجل الأمن في عهد سوريا الجديدة الذي بات يبعث على الطمأنينة ويبشر أن القادم أجمل، “رجلٌ الأمن الذي لا نخاف منه، بل نخاف عليه ويخاف علينا”.
ويشير الصمادي في سياق حديثه لـ”الحرية” إلى الصورة التي انتشرت قبل أيام للشاب السوري من عناصر الأمن وهو يقوم مع زملائه بحماية المتظاهرين في مدينة طرطوس، مؤكداً أن هذه الصورة تعكس تغيّر المشهد كلياً، وتعد تجسيداً حياً لصورة رجل الأمن الذي يحتاجه السوريون، رجلٌ يصون الحقوق والحريات وواجبه حماية المواطن لا قمعه وابتزازه.
ويرى الصمادي أن عملية بناء هوية بصرية جديدة لجهاز الأمن وعناصره، ليست مجرد خطوة رمزية، بل هي جزء من إعادة بناء سوريا الحديثة، كما تعكس التوجه الشعبي نحو تجاوز مرحلة الاستبداد وفتح صفحة جديدة من الاحترام المتبادل، فعندما يصبح رجل الأمن أيقونة للوطنية والأخلاق عبر حماية حريات المواطنين ويعتبرهم أهله، ندرك أننا نسير على الطريق الصحيح.