متابعة- يسرى المصري:
تأتي الزيارة المقررة لحاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، إلى مقر البنك المركزي الأردني، في سياق ديناميكي ومعقد. فهي ليست مجرد لقاء روتيني بين مؤسستين ماليتين، بل يمكن قراءتها باعتبارها حلقة جديدة في سلسلة متسارعة من التحولات والمبادرات التي تشهدها سوريا في المرحلة الحالية. تهدف هذه التحركات، في جوهرها، إلى إخراج الاقتصاد السوري من عزلته الطويلة وبناء الجسور نحو النظام المالي الإقليمي والدولي، وهو شرط أساسي لتمويل وإنجاح مسار إعادة الإعمار الضخم الذي تتطلبه البلاد.
تكتسب الزيارة أهميتها الفورية من طبيعة العلاقات الاقتصادية الحيوية بين سوريا والأردن حيث يُعد الأردن منفذاً تجارياً بالغ الأهمية لسوريا، تعبر من خلاله كميات كبيرة من البضائع الواردة والمصدرة.
وبسبب سنوات الحرب والعقوبات، اعتمدت الكثير من المعاملات المالية بين البلدين على قنوات غير رسمية، ما يزيد التكاليف والمخاطر. وبالتالي يهدف اللقاء، وفقاً لتصريحات حاكم المصرف المركزي السوري، إلى تعزيز قنوات التواصل” بشكل منهجي، ما يشير إلى العمل على إعادة تفعيل علاقات المراسلة المصرفية الرسمية بين البنوك في البلدين عبر النظام المصرفي
كما يشكل استقرار وشفافية قنوات التحويل المالي بين البلدين حافزاً لتشجيع الاستثمارات الأردنية المحتملة في سوريا، وخاصة في قطاعات إعادة الإعمار القريبة جغرافياً مثل جنوب سوريا.
أضف الى ذلك تندرج هذه الزيارة ضمن إستراتيجية أوسع يتبناها مصرف سوريا المركزي عبد القادر حصرية ، لإعادة دمج البلاد في الشبكة المالية العالمية.و يمكن رصد أبرز مكونات هذه الإستراتيجية في المبادرات التالية
- تسريع التحويلات الخارجية، وخفض التكاليف،ووإعادة بناء الثقة مع المؤسسات المالية الدولية.
- يُمهد الطريق أمام التدفقات التمويلية القانونية الضخمة (قروض تنموية، استثمارات مشتركة) اللازمة لإعادة الإعمار، والتي تقدر تكلفتها بين 250 و400 مليار دولار
- التعاون مع شركات الدفع العالمية (مثل ماستركارد)
- تحديث البنية التحتية للمدفوعات الرقمية، وإصدار بطاقات مصرفية دولية.
- يُسهل حصول الشركات الأجنبية والمستثمرين على خدمات مالية داخل سوريا، ويعيد ربط المواطن السوري بالخدمات المالية العالمية، ما يدعم بيئة الأعمال.
- تطوير التقنيات المالية FinTech
- وضع أطر تنظيمية للخدمات المالية الرقمية وتعزيز الشمول المالي.
- يخلق بنية تحتية مالية مرنة وحديثة قادرة على دعم مشاريع إعادة الإعمار وتعاملاتها الكبيرة.
- إطلاق خطط إصلاح نقدي ومصرفي طموحة
- استبدال العملة، خفض التضخم، واستعادة الثقة بالقطاع المصرفي.
يُعد استقرار العملة المحلية شرطاً أساسياً لا غنى عنه لجذب الاستثمارات الخارجية وإنجاز المشاريع الكبرى.
وكما يبدو فإن زيارة حاكم البنك المركزي السوري إلى عمّان هي جزء من رؤية متعددة المستويات:
فعلى المستوى الفوري تسهيل التجارة الثنائية وإعادة الروابط المصرفية المباشرة مع الأردن.وعلى المستوى الإقليمي بناء تحالفات اقتصادية مع الدول العربية الشقيقة، حيث أشار حصرية سابقاً إلى حوارات مع الرياض لفتح قنوات مالية ، ويؤكد الرئيس السوري أحمد الشرع على تعزيز التعاون مع الدول العربية . كما تشارك سوريا في منصات إقليمية مثل منتدى الاتحاد من أجل المتوسط بحثاً عن فرص التعاون والتمويل .
وعلى المستوى الدولي استخدام هذه الخطوات الثنائية والإقليمية كجسر للعودة التدريجية إلى المحافل المالية الدولية، واستعادة مكانة سوريا في الاقتصاد العالمي.
وتُمثل هذه الزيارة، إشارة عملية على تحول إستراتيجي في السياسة الاقتصادية السورية، من سياسة المواجهة والانكفاء إلى سياسة الانفتاح والجسور. والزيارة تمثل خطوة ضرورية وتأتي في إطار الحرص المتبادل على تعزيز قنوات التواصل بين المؤسسات المالية في البلدين، وفي مقدمتها المصرفان المركزيان.
إعادة تفعيل علاقات المراسلة المصرفية الرسمية بين البنوك في البلدين عبر النظام المصرفي
وأوضح الحصرية في تصريح اعلامي اليوم أن القمة المصرفية السورية الأردنية غداً، تشكل فرصة مهمة لبحث التطورات الاقتصادية والمصرفية على مستوى المنطقة، وفتح حوار مباشر حول التحديات المشتركة وكيفية تحويلها إلى فرص تعاون.
وأشار الحصرية إلى أن الزيارة تهدف إلى تبادل الخبرات التنظيمية والرقابية في مجالات العمل المصرفي، وتعزيز التنسيق الفني بما يخدم استقرار القطاع المالي في البلدين، وبحث الإمكانات المتاحة لتطوير الخدمات المالية وتحسين كفاءة الأنظمة المصرفية، وبناء شراكات أعمق بين المصارف والمؤسسات المالية السورية والأردنية لدعم النشاط الاقتصادي والتجاري في البلدين الشقيقين.
ولفت الحصرية إلى أن التعاون مع المصرف المركزي الأردني، يحمل آفاقاً واسعة في مجالات عدة، يمكن الاستفادة منها بما يخدم تطوير الإطار التنظيمي والرقابي في سوريا.
وقال الحصرية: إن أهم مسارات التعاون تشمل تقوية البنية الرقابية، من خلال الاطلاع على التجربة الأردنية في معايير الامتثال، ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والاطلاع على أنظمة الدفع الإلكترونية، والاستفادة من التجربة الأردنية في التحول الرقمي والابتكار المالي.
وأضاف حاكم مصرف سوريا المركزي: من بين مسارات التعاون أيضاً، تعزيز الاستقرار المالي عبر تبادل البيانات والدراسات الفنية المتعلقة بإدارة المخاطر والسيولة، وتسهيل النشاط المصرفي والتجاري بين البلدين من خلال تحسين آليات التسوية والتعاملات البينية.
وبين الحصرية أن القمة ستوفر فرصة للاطلاع على تجربة المصرف المركزي الأردني في مجالات الرقابة المتقدمة، والتحول الرقمي، وإدارة القطاع المصرفي بما يخدم تطوير القطاع المالي في سوريا وتعزيز كفاءته واستدامته.
وكان محافظ البنك المركزي الأردني الدكتور عادل الشركس، أكد أمس أن الزيارة المقررة للوفد السوري برئاسة حاكم مصرف سوريا المركزي الدكتور عبد القادر الحصرية، تأتي في إطار تعزيز التعاون الثنائي وتبادل الخبرات بين الأردن وسوريا في القطاعين المصرفي والمالي، ولا سيما في مجالات الرقابة المصرفية والتكنولوجيا المالية والشمول المالي.
وأوضح الشركس أيضاً أن هدف هذه اللقاءات يتمثل في تعريف الجانب السوري بتجربة الأردن المصرفية والمالية الناجحة، وبالفرص التي يوفرها القطاع الخاص الأردني، بما يفتح المجال أمام تأسيس شراكات “أردنية–سورية” تسهم في دعم عملية إعادة البناء الاقتصادي في سوريا.