بعد أربعة عشر عاماً من الانهيار إلى مسار التعافي.. سوريا على أعتاب نهضة اقتصادية كبرى

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – هناء غانم:

تدخل سوريا اليوم مرحلة جديدة على قاعدة سياسية وأمنية واقتصادية مختلفة كلياً عمّا عاشته البلاد خلال السنوات الأربع عشرة الماضية، فبعد تحرير البلاد في 8 كانون الأول 2024، ومع تزامن معركة “ردع العدوان” نهاية تشرين الثاني من العام ذاته، بات واضحاً أن الطريق نحو التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار يتطلب رؤية عميقة، تستند إلى قراءة دقيقة لما تراكم من أزمات وتحديات منذ عام 2010 وحتى اليوم.
فقد شهد الاقتصاد السوري خلال هذه السنوات انهياراً غير مسبوق في بنيته الإنتاجية والخدمية، وتضررت البنى التحتية الأساسية في المدن الكبرى وريفها، إلى جانب موجات هجرة واسعة للكفاءات، وتدهور العملة وارتفاع مستويات التضخم، ومع بروز مرحلة التحرير، تزايدت الحاجة إلى تحويل الانتصار العسكري إلى منصة انطلاق لنهضة اقتصادية فعلية، تستند إلى التخطيط والمؤسسات والشفافية. 
البيانات الاقتصادية تشير إلى تحسن قيمة الليرة السورية بنسبة 33% منذ تاريخ التحرير، إذ انخفض سعر الصرف من 15 ألفاً إلى نحو 10 آلاف ليرة للدولار الواحد، هذا التحسن أوجد موجة تفاؤل أولية بانعكاسات إيجابية على الأسواق والاستثمار، إلا أن الفجوة بين القرارات الرسمية والممارسات السوقية بقيت واضحة، وخصوصاً في قطاع العقارات حيث قفزت الإيجارات من 1.8 مليون ليرة العام الماضي إلى نحو 4 ملايين، رغم تحسّن العملة.. هذه المفارقة عكست الحاجة الماسة لضبط المضاربات ووضع قواعد تنظيمية صارمة.
وفق ما أكده لـ”الحرية” الخبير في الإدارة والاقتصاد وإعادة هيكلة الشركات، الدكتور عبد المعين مفتاح، موضحاً أن «نجاح التعافي الاقتصادي مشروط بتكامل المسار العسكري مع منظومة تشريعية وإدارية واضحة، تقوم على ضبط الأسواق، تحفيز الاستثمار، وتقديم حوافز مباشرة لشرائح المجتمع الأكثر ضعفاً».
وتشير البيانات إلى أن إعادة بناء البنية التحتية الأساسية في دمشق وحلب وريفهما تتطلب ما يقارب 50 مليار دولار، بينما يحتاج القطاع السكني إلى 20–30 مليار دولار إضافية لبناء وحدات سكنية عاجلة لسد فجوة الإسكان التي تطول عشرات آلاف العائلات. وتنبّه الوزارة إلى أنّ غياب إطار قانوني واضح لتنظيم العقود والاستثمارات قد يعرقل وتيرة التنفيذ ويهدّد استدامة المشاريع.

إلغاء قيصر

في هذا الوقت، يتقدم ملف العقوبات خطوة مهمة نحو الانفراج، إذ تؤكد تقارير وزارة الدفاع الأمريكية ووزارة الخزانة وجود تحولات جديّة باتجاه إلغاء قانون قيصر، بعد إقراره مبدئياً في مجلس النواب بانتظار تصديق الكونغرس. وفي حال إقراره النهائي، سيشكل ذلك منعطفاً جوهرياً يسمح بتدفق الاستثمارات الأجنبية وتحرير حركة التجارة والتمويل، ما يفتح الباب أمام شراكات واسعة في مرحلة إعادة الإعمار.

بناء 60% من الوحدات خلال عامين..

د. مفتاح يشدد على أن «إلغاء العقوبات ليس حلاً نهائياً، بل بداية لمرحلة تتطلب إدارة دقيقة للاستثمارات، وتأهيل البنى التحتية، وبناء قاعدة بيانات وطنية للمشاريع، وضمان أعلى درجات الشفافية في العمل الحكومي والخاص».
وقد بدأت ملامح التحرك الفعلي تظهر في المناطق المحررة حديثاً مثل جوبر وحرستا وزملكا، حيث شرعت شركات محلية وعربية وأجنبية بوضع خطط تنفيذية لبناء مدارس ومستشفيات ووحدات سكنية وفنادق، مع تقديرات تؤكد إمكانية إعادة بناء 60% من الوحدات المدمرة خلال عامين، إذا توفّرت البيئة المالية والإدارية المناسبة.

التشريعات الاقتصادية الجديدة..

بالتوازي، تعمل الحكومة السورية على إعداد حزمة قوانين تنظيمية جديدة، تشمل حوافز ضريبية للمستثمرين، وتسهيل الحصول على التراخيص، وتفعيل دور البنوك في تمويل المشاريع الكبرى.
كما تعمل وزارة المالية على تطوير نظام رقابي يضمن تسجيل العقود ومتابعة تنفيذها، للحد من المضاربات وتحقيق العدالة الاقتصادية.
وتؤكد مصادر رسمية أن جزءاً من ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية لعام 2025 خُصص لدعم مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، بشكل مباشر وغير مباشر، في إطار المرحلة الانتقالية وما يترافق معها من إجراءات لرفع العقوبات وتثبيت الاستقرار المالي.
ويختتم الخبير رؤيته بالتأكيد على أن مرحلة إعادة الإعمار تتطلب دمجاً متوازناً للحلول التشريعية والمالية والاستثمارية، بحيث تقترن كل خطوة إعمارية بخطة قانونية واضحة، ودعم مباشر للفئات الأكثر هشاشة، ومشاريع واقعية تلبي احتياجات المواطنين والخدمات الأساسية.
كما أنّ التحدي الأكبر اليوم يكمن في ترجمة هذه الخطط والقرارات إلى واقع ملموس يشعر به المواطن، ليصبح شريكاً حقيقياً في مسار النهضة، وبينما تتوفر الفرص والإمكانات، يبقى النجاح مرهوناً بقدرة المؤسسات على تحقيق أثر مباشر في الحياة اليومية، وصناعة اقتصاد سوري مستدام، قادر على النهوض بعد أربعة عشر عاماً من الانهيار المتواصل.

 

Leave a Comment
آخر الأخبار