عندما تتحول الحقيقة إلى وهم عبر خوارزميات الحقائق المزيفة

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – حسين الإبراهيم:

  • ماذا يعني أن تتحكم الخوارزميات فيما نراه ونصدقه عبر شبكات التواصل الاجتماعي؟
  • كيف تؤثر آليات اختيار المحتوى على تصورنا للحقائق؟
  • لماذا يزداد انتشار الأخبار الكاذبة رغم توافر مصادر دقيقة؟
  • أين يكمن الدور الذي تلعبه التحيزات المعرفية البشرية في ذلك؟

غياب الشفافية في خوارزميات شبكات التواصل الاجتماعي لا يعني فقط نقصاً في المعلومات حول كيفية عمل هذه الخوارزميات، بل يشير إلى وجود منهجية متعمدة لا تهتم بالحقائق والموضوعية، بقدر ما تركز على تحقيق أهداف تسويقية وتجارية. هذه الخوارزميات تعتمد على زيادة التفاعل وجذب المستخدمين لأطول فترة ممكنة، ما يجعلها تفضل المحتوى الذي يثير العواطف القوية مثل الغضب أو الخوف حتى وإن كان مضللاً أو كاذباً.

هذا الفصل بين الخوارزميات والشفافية يجعلها أداة لتشويه الحقائق، حيث تغذي “الحقيقة الوهمية” عبر تعزيز المحتوى الذي يحقق أرقاماً عالية من الانتباه، بغض النظر عن مدى صحته. تأثير هذا الوضع يتجاوز مجرد نشر معلومات خاطئة؛ إذ يسبب اضطرابًا في ذهنية المتلقي ويفاقم ظواهر الانقسامات الاجتماعية والسياسية نتيجة الصور المشوهة للواقع التي تقدمها هذه الخوارزميات.

عمليًا، يتحول المستهلك من متلقٍ للحقائق إلى ضحية لخوارزميات غير شفافة تسوق له نسخاً مزورة من الحقيقة، دون قدرة على فهم الأسس التي تبنى عليها تلك الخوارزميات أو المعايير التي تحدد ما يظهر له. هذه الأُفق المغلقة والمُتحيزة تظل بعيدة عن أعين الجمهور، ما يجعل مكافحة الأخبار الكاذبة تحديًا معقدًا ومقلقاً.

هل يمكن أن ننتظر شفافية حقيقية من شركات تربح من تصدير هذه الخوارزميات؟ وكيف يمكن للمجتمع الرقمي التأقلم مع تأثيرات هذه المنهجية التي تنسف قدرة الفرد على التمييز بين الحقيقة والوهم؟.

مصنع التضليل

لا تعمل خوارزميات شبكات التواصل الاجتماعي بشكل محايد أو موضوعي، بل تعتمد بشكل رئيسي على آليات تعزز المحتوى الذي يجذب أكبر قدر من التفاعل العاطفي، مثل الإعجابات والمشاركات والتعليقات، بغض النظر عن صحة هذا المحتوى. هذا يعني أن الأخبار والمعلومات الزائفة أو المضللة تحصل على دعم خوارزمي، ما يؤدي إلى انتشارها بشكل واسع وسريع.

تؤكد دراسات حديثة أن الخوارزميات تعاقب المحتوى الحيادي أو المتوازن عبر تقليص انتشاره مقارنة بالمحتوى الإثاري أو المثير للجدل، رغم أنه قد يكون مضللاً أو ملفقًا.

بالإضافة إلى ذلك، يوجد دور ممنهج من بعض الجهات أو الأفراد الذين يستغلون هذه الخوارزميات عبر تصميم حملات مدروسة للأخبار المزيفة، لتحقيق أهداف سياسية أو مالية أو ثقافية، ما يفاقم مشكلة التضليل الإعلامي ويزرع الفتنة والانقسام بين جمهور المستخدمين. هذا التلاعب الممنهج يكشف أن الخوارزميات ليست فقط أدوات تقنية، بل منظومة ذات أهداف تسويقية وربحية تسبق أي قيم أخلاقية أو موضوعية.

بحسب أبحاث جامعية، هناك تصور لدى المستخدمين يعرف بـ “الأخبار تجدني” أي الثقة المفرطة بأن الأخبار المهمة ستصل إليهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون جهد نشط، ما يزيد من تعريضهم للمعلومات المضللة ويخفض من التفكير النقدي لديهم تجاه المحتوى الذي يُعرض عليهم. هذا يجعل المستخدمين فريسة سهلة لتكريس “الحقيقة الوهمية” حيث يعتمدون بشكل مفرط على الخوارزميات، التي بحد ذاتها تدار لأهداف تتجاوز مجرد إيصال الأخبار الدقيقة.

التكرار المدعوم بالخوارزميات

بالمقارنة بين أنظمة الخوارزميات التي تركز على التفاعل سريع الانتشار، وأنظمة الإعلام التقليدية التي ترتكز على التحقق والمراجعة، يتضح أن الأولى تمهد الطريق لتشويه الحقيقة.

وباعتماد رؤية مقارنة بين تأثير الخوارزميات على انتشار المعلومات المضللة خلال جائحة كورونا مقابل الأخبار العلمية الدقيقة يبدو جلياً وجود تأثير خوارزمي واضح تسبب في تضخيم المعلومات الخاطئة.

القابلية المعرفية والتكرار المدعوم بالخوارزميات تجعل الناس أكثر تقبلاً لـ “حقائق” تختلف تماماً عن الواقع، ما يخلق حالة من الارتباك في فهم المجتمع للواقع.

تكريس الحقيقة الوهمية

في الحالة السورية، أصبح تكرار الأخبار المضللة والمفبركة على منصات التواصل الاجتماعي أحد مكونات الأزمة الحقيقية، لقد عايشت شخصياً حالة من الارتياب والابتعاد الكامل عن متابعة الأخبار التي بات كلها مشكوكاً في صحتها. مشاهدة صور وفيديوهات مفبركة، وتداول معلومات متناقضة ومضللة حول أحداث مأساوية، دفعتني إلى اعتبار منصات التواصل الاجتماعي مصدرًا غير موثوق للأخبار.

على المستوى العالمي، كشف التقرير السنوي لمعهد رويترز لعام 2024 عن تراجع كبير في نسبة الثقة بالأخبار التي تنتجها وسائل التواصل الاجتماعي، وهو مؤشر خطير يعكس فقدان الجمهور لثقة واسعة في منصات أصبحت المصدر الأول للمعلومة لدى ملايين الناس. هذا التراجع في الثقة يعكس إدراكاً متزايداً لتأثير الخوارزميات التي لا تهدف إلى نقل الحقيقة بقدر ما تسعى إلى تحقيق أرباح تسويقية عبر إثارة المشاعر والانقسامات، ما يعمق الفجوة بين الحقيقة والواقع المعيش.

حين تعيد الخوارزميات تشكيل حقيقتنا، نصبح بحاجة إلى وقفة وإعادة تقييم: هل نريد من خوارزميات الشبكات الاجتماعية أن تصنع لنا واقعاً مكرراً أم حقيقية تعكس العالم كما هو؟
Leave a Comment
آخر الأخبار