الحرية- لبنى شاكر:
“كارميلا” روايةٌ للمؤلف والصحفي الإيرلندي شيريدان لو فانو “1814- 1873″، والمترجم فريد اسمندر، ستُقنعك شيئاً فشيئاً، أن التكرّم الذي ربما أبديته مرة، برعاية ابن أحدهم، وإبقائه ضيفاً في منزلك، ريثما يعود أهله من مكانٍ ما، قرارٌ مُتسرّع، وخطوةٌ لم تكن نتائجها مضمونة كما ظننت، أو ربما كانت كارثية، رغم الحبّ والتودد اللذين انطلقت منهما في عرضك السخي ذاك، لا سيما إذا سارت أحداثها كما حصل مع الشابة لورا ووالدها العسكري السابق في الجيش النمساوي. واللافت في الرواية الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب، ضمن المشروع الوطني للترجمة في “مختارات قصصية من روائع الأدب الإنكليزي”، أن الخوف والهلع لا يُرافق قارئها بالطريقة التي تنتهجها روايات أدب الرعب القوطي أو خيال الرعب، رغم أنها مهّدت كما يُقال للرواية الشهيرة “دراكولا” للكاتب برام ستوكر، إذ إن أحداثها تبدو منطقية وجذابة، بل وحقيقية أيضاً، قبل أن تميل بشكلٍ مفاجئ نحو عالم مصاصي الدماء، لِتضع القارئ في مواجهة أسئلة، تُنافي إجاباتها المنطق، نحو الخوارق واللامعقول.
عن الحكاية
تبدأ الحكاية من قلعة قديمة منعزلة، في إقليم ستيريا الجبلي، في النمسا، حيث لورا ووالدها والخدم، يختبرون الملل يومياً، ويجدون في أي زائر أو عابر طريق، فرصة لمعرفة ماذا يجري، في أماكن أخرى، يكثر فيها البشر والمغامرات، ولهذا سرعان ما يعرض الوالد، خدماته برعاية شابة، تنقلب عربة والدتها بالقرب من بيته، ولأن السيدة في مهمة مستعجلة لثلاثة أشهر، فلا وقت لديها لعلاج ابنتها كارميلا، وهكذا تدخل الضيفة المُصابة، حياة الأب وابنته، وسنعرف لاحقاً، أنها الحكاية ذاتها، التي يعيشها في منطقةٍ أخرى، جنرالٌ صديقٌ للأب، يجد نفسه مُحرجاً ومُضطراً للعناية بابنة إحداهن والمدعوة ميلاركا، ليتبين في النهاية أن كلا الفتاتين شخصيةٌ واحدة، هي ميركلا (الكونتيسة كارنشتاين)، وخلال هذا كله، تُفاجئنا كارميلا، بميول غير مفهومة تجاه لورا، وبهلوسات وعبارات غير مترابطة، حتى يصبح فهم حاضر الشخصية، مُغرياً أكثر من البحث في ماضيها المجهول، تحديداً حين تُصيبها حالات من التعب والشحوب، قبيل أن تعود إلى طبيعتها المرحة، مُجدداً.
تبدو أحداث الرواية منطقية وجذابة قبل أن تميل بشكلٍ مُفاجئ نحو عالم الخوارق واللامعقول
رواية مُؤسِّسة
في الرواية، تغيب المفردات المعقّدة، كما تغيب بموازاتها إلى حدٍّ ما، الأحداث التي تضع القارئ أمام مُفترقٍ أو صدمة ما، عدا عن اتجاهها في النهاية كما ذكرنا نحو مصاصي الدماء، كما في الحكايات الشعبية القديمة عن السحرة والجن والقوى غير المفهومة، ولهذا ربما وُصفت بأنها من أكثر الروايات تكيفاً في كل العصور، كما شكّلت مادةً لعدد من الأفلام والمسرحيات، منذ ظهورها الأول عام 1872م، وفي بعضها تلتقي لورا وكارميلا كصديقتين في زمنٍ معاصر، لكلٍّ منهما عالمها الخاص، حيث تجد ما تسمى أفلام صائدي مصاصي الدماء، رواجاً لدى شريحة واسعة من الجمهور.
شكّلت رواية “كارميلا” مادةً لعددٍ من الأفلام والمسرحيات منذ ظهورها الأول عام 1872م
أدب الرعب
القراءة في حياة الكاتب شيريدان لو فانو، تُظهر نشأته في عائلةٍ أدبية، تهوى الرواية والمسرح، ولذلك ربما كان تخليه عن دراسة القانون، وانتقاله نحو الصحافة في بداية حياته، ومن ثم امتلاكه العديد من الصحف خلال مشواره، أما في أدب الرعب، فكانت بدايته من رواية “الشبح ومُصمم العظام” المنشورة لأول مرة عام 1838م في مجلة جامعة دبلن، ليأتي الحدث الفاصل بعد زواجه من سيدة عانت من الهستيريا والأعراض العصبية التي تفاقمت مع مرور الوقت، وانتهت بموتها بعد نوبة هيستيرية، ولم يكتب لو فانو طيلة ثلاث سنوات بعد رحيلها. وفي رصيده الكثير من مجموعات القصص القصيرة إضافة إلى عدد وافر من الروايات من بينها “ضيف الشر”، “منزل قرب المقبرة”، “مات الملك”، “أرواح مسكونة”.