عام بألف عام.. السوريون يعيشون أفراح ذكرى التحرير في ظل إنجازات واسعة في الاقتصاد والسياسة

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية ـ سامر اللمع:

يعيش السوريون بكل مكوناتهم وأطيافهم هذه الأيام أفراح الذكرى الأولى لانتصار ثورتهم المباركة والخلاص من النظام البائد الذي عزل البلاد وأعادها عشرات السنين إلى الوراء بسبب ممارساته الكارثية على المستويين الداخلي والخارجي.
لم يكن طريق الثورة السورية التي انطلقت منذ آذار عام 2011، طريقاً سهلاً، بل كان مساراً شاقاً جوبه من قبل النظام البائد بالحديد والنار، وكتبت فصوله بدماء مئات الآلاف من الشهداء والجرحى وخلف آلاف الأرامل والأيتام وملايين النازحين واللاجئين المنتشرين في أربع بقاع الأرض. فضلاً عن الدمار الواسع الذي طال المدن والقرى والبنى التحتية في البلاد.
وعلى الرغم من فداحة الأثمان التي دفعها الشعب السوري على مدى عمر ثورته طوال الـ 14 عاماً الماضية، إلا أن ما قد يبلسم تلك الجراح وينسي بعض الآلام هو طعم النصر والحرية التي ظفر بها الشعب بعد معاناة طويلة بانتظار أمل انطلاقة جديدة وبناء دولة حديثة تستعيد دور سوريا ومكانتها المرموقة بين دول العالم.
وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، ومنذ اليوم الأول للتحرير، عمل قادة الدولة الجديدة وعلى رأسهم الرئيس أحمد الشرع على مستويات عدة من أجل رسم شكل الدولة وبناء هويتها السياسية والاقتصادية والمالية والقانونية فضلاً عن الجهد المتواصل لإعادة بناء شخصية الفرد السوري والذي هو حامل التنمية وهدفها بعد مرحلة صعبة وطويلة من الإقصاء والتهميش استهدفت شرائح واسعة من المجتمع.

الاقتصاد حامل التنمية

لا ريب أن الاقتصاد السوري في مرحلة ما بعد التحرير يعاني من تشوهات كبيرة بسبب الفساد والنهب والأخطاء الكارثية التي مارسها النظام البائد، كما أن العقوبات الغربية، وتداعيات الحرب، وتراجع البنية الإنتاجية جعلت من التعافي مهمةً شاقة، ومع ذلك، فإن المؤشرات الأخيرة كبدء بعض المشاريع الاستثمارية الصغيرة، وعودة رجال أعمال سوريين من الخارج، وفتح خطوط تواصل اقتصادية مع دول عربية وآسيوية، توحي بأن التحول قادم.
لقد عملت الإدارة الجديدة منذ التحرير إلى الآن لإعادة تعريف هوية الاقتصاد السوري، تحولاً من نموذج يقوم على التخطيط المركزي البيروقراطي، إلى اقتصاد السوق الحر، وذلك بهدف إنقاذ الاقتصاد من الانهيار التام، وصولاً إلى الانخراط من جديد في النظام المالي والاقتصادي العالمي.
وركزت الحكومة السورية جهودها نحو رفع العقوبات الدولية المفروضة، وقد نجحت في رفع العديد منها في المرحلة الماضية وتم تجميد باقي العقوبات، خاصة عقوبات «قانون قيصر» الذي فرضته الولايات المتحدة على النظام البائد، كما تم دمج سوريا في النظام المالي العالمي، وإعادة تفعيل القطاع التجاري، وهذا ما سوف ينعكس على تحسين المؤشرات الكلية للاقتصاد الوطني بشكل تدريجي.
وعملت الحكومة على إصلاح القطاع الإداري لتخليصه من الفساد والروتين والبيروقراطية، ثم توجهت لدعم القطاعات الزراعية والصناعية والمصرفية، وسط دعوات ورغبات محلية وعربية لضخ استثمارات في هذه القطاعات عبر تقديم تسهيلات وإعفاءات ضريبية ومحاولة تأمين الطاقة اللازمة لتشغيلها.

دبلوماسية رصينة

في غضون عام على سقوط نظام الأسد وبدء مرحلة جديدة تحت رئاسة أحمد الشرع، بادرت دمشق بتحركات دبلوماسية رصينة ومكثفة أعادت رسم علاقاتها مع جهات كانت لسنوات من أشد خصومها.
من مشاركة في القمم العربية، إلى عودة مباحثات مباشرة مع واشنطن وأنقرة وموسكو، ودعوات متبادلة لفتح السفارات وزيارات رسمية، تبدو سوريا اليوم في مرحلة “إعادة تموضع” على الخريطة الدولية.
أطلقت وزارة الخارجية السورية بقيادة الوزير أسعد الشيباني سلسلة مبادرات انفتاح دبلوماسي، أثمرت عن خطوات ملموسة: وقف العقوبات الأميركية جزئياً، تعليق عقوبات أوروبية، واستئناف التمثيل الدبلوماسي مع دول عربية كانت قد قطعت علاقاتها لسنوات، وحتى الأمم المتحدة، ممثلة بمبعوثها السابق غير بيدرسون، باتت تدعو صراحةً إلى رفع العقوبات ودعم الحكومة السورية في مهام إعادة الإعمار.
كما شكلت زيارة وفد من مجلس الأمن الدولي ممثلاً بالدول الأعضاء فيه إلى سوريا في نهاية الأسبوع الفائت، حدثاً مفصلياً هاماً وإنجازاً يحسب للدبلوماسية السورية
لما تحمله من إشارات لتغير في الموقف الدولي تجاه سوريا، كما تحمل العديد من الرسائل الهامة والمتعددة للعالم والإقليم، وعلى الصعيدين الداخلي والخارجي، بالتزامن مع مرور عام على التحرير وبداية مرحلة جديدة من التعافي في البلاد.

سياسة متوازنة بعيدة عن الأقطاب

لطالما عانت سوريا في عهد النظام البائد من سياسة الأقطاب والمحاور التي وضعت البلاد في عزلة إقليمية ودولية، هذا ما دفع الإدارة الجديدة لسوريا التحرير إلى اعتماد نهج جديد يقوم على الموازنة الدقيقة بين مختلف الأطراف، مع الابتعاد عن سياسات المحاور، نهج يُحسب للدبلوماسية السورية التي اختارت التوجه نحو الاستقرار لا الاستقطاب، خصوصاً مع استمرار قنوات التواصل مع الولايات المتحدة بهدف رفع العقوبات وتعزيز فرص التعاون.
وعليه فقد نجحت سوريا في توسيع شبكة علاقاتها عبر بناء شراكات جديدة مع دول ذات مواقف متباينة، سواء في الإقليم أو على الساحة الدولية، ويشير التعامل مع أطراف متعارضة، مثل روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة، إلى مرونة الدبلوماسية السورية التي استطاعت تجاوز الانقسام الدولي حول الملف السوري.
وترافق الحراك السياسي الخارجي الواسع مع إصلاحات ملموسة في المؤسسات السياسية في الداخل بدءاً بمؤتمر الحوار السوري ثم بالإعلان الدستوري وصولاً إلى انتخابات مجلس الشعب.
في الداخل السوري، يواجه مسؤولو السياسة في الإدارة السورية الجديدة ملفات معقدة لا يمكن اختزالها بقرارٍ أو خطاب: مكافحة الفساد الإداري الموروث من النظام البائد، وإعادة دمج مناطق الشمال الشرقي والجنوب، والعلاقة مع «قسد»، كلها تحديات تتطلب وقتاً ومهارة سياسية، واللافت أن القيادة تتعامل معها اليوم بنَفَسٍ إصلاحي هادئ يوازن بين الحزم والانفتاح، مدركةً أن الاستقرار الحقيقي لا يُفرض بالقوة وحدها، بل ببناء الثقة وإعادة اللحمة الوطنية. فالرهان اليوم لم يعد على الانتصار العسكري فقط، بل على بناء دولة القانون التي تضمن للمواطن كرامته وأمنه وفرصه المتكافئة.
عام مضى على إنجاز التحرير، هو عام ليس ككل الأعوام، بل هو عام بألف عام، حمل معه بشائر الخير للسوريين وكسر قيد الظلم والاستبداد الملتف على أعناقهم طوال عقود طويلة قدموا خلالها الغالي والنفيس من أرواحهم ودمائهم وصبرهم في غربتهم فاستحقوا بعد كل هذه التضحيات أن يفرحوا وأن يعيشوا أمنيات التغيير متطلعين إلى الأفضل في قادم الأيام.

 

Leave a Comment
آخر الأخبار