الحرية- لمى سليمان:
لم يكن يوم الثامن من كانون الأول عام 2024 يوماً عادياً في تاريخ سوريا، و إنما يوماً عظيماً بدأ به عهد جديد في تاريخ سوريا، عهد من المتوقع أن يكون مليء بالتقدم والازدهار والسلام بعد ستين عاماً من القهر و الفقر والظلم.
من الاقتصاد المركزي إلى آليات السوق
يرى الخبير الاقتصادي د. عبدالله قزاز أن المشهد الاقتصادي السوري قد تحول بعد عام من التحرير، تحولاً جذرياً من النموذج المركزي البيروقراطي إلى نموذج ديناميكي يعتمد على اقتصاد السوق الحر، مع تركيز استراتيجي على رفع العقوبات الظالمة وجذب الاستثمارات لمواجهة آثار الحرب. وعلى الرغم من انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.5% في 2024، إلا أن المسار قد انعكس بنمو يتراوح بين 1% إلى 1.5% في عام 2025، مما يؤشر لبداية التعافي.
تحديات موروثة وإجراءات علاجية
ويعترف الخبير المالي والمصرفي د. عبد الله قزاز في تصريح ل”الحرية” بأن الاقتصاد لا يزال يحمل إرثاً ثقيلاً من الحرب، حيث يعاني من نسب فقر وبطالة مرتفعة، وتضخم حاد، وهو ما دفع الدولة لاعتماد حزمة سياسات إصلاحية شاملة. وقد أدت الحرب إلى خسائر اقتصادية هائلة، مع انكماش حاد في الناتج المحلي منذ 2010.
الاستثمار والعقوبات والثقة
وانطلاقاً من سياسة الانفتاح الاقتصادي، شهدت سورية تحولات كبرى، منها استئناف تداول سوق دمشق للأوراق المالية، وإلغاء العديد من العقوبات الأمريكية والغربية الجائرة. وقد أثمر ذلك عن جذب استثمارات ضخمة بلغت 28 مليار دولار في النصف الأول من 2025، بالإضافة إلى مذكرات تفاهم بقيمة 14 مليار دولار لمشاريع حيوية كبرى. ويُقدّر حجم الفرص الاستثمارية في البلاد بتريليون دولار، لاسيما في قطاعي الطاقة والعقارات.
ويرى د. قزاز أن هذه البيئة الجاذبة، مدعومة بالاستقرار الأمني والاستثمارات الخليجية والتركية الواعدة، ستؤدي إلى انخفاض تدريجي في معدلات التضخم والبطالة. كما يتوقع تحسناً في سعر صرف الليرة السورية مع الإصلاحات النقدية الجارية، لتحويل عام 2026 إلى “عام التنمية” الحقيقي، بناءً على نجاح الإصلاحات في مكافحة الفساد وبناء الثقة الدولية.
توقعات النمو بين التفاؤل والحذر
يتوقع المراقبون الاقتصاديون ومؤسسات دولية مثل Trading Economics، أن تشهد المؤشرات الاقتصادية في 2026 نمواً في الناتج المحلي الإجمالي يصل إلى حوالي 2.4%. وبالنظر إلى السيناريوهات المستقبلية، يمكن الوصول في سيناريو متفائل إلى نمو سنوي مرتفع حتى 2030، مدعوماً بعودة ملايين اللاجئين ودعم قطاع الزراعة. بينما يحذر د. قزاز في سيناريوهات أخرى من أن النمو قد يكون أقل إذا لم تُدعم بخطة إعادة إعمار متكاملة.
المؤشرات الرئيسية للتعافي
يشير د. عبد الله قزاز إلى مجموعة من المؤشرات الإيجابية التي بدأت بالظهور:
· استقرار نقدي: انخفاض تدريجي لمعدلات التضخم مع تعزيز استقرار العملة وتكامل أنظمة الدفع الرقمي.
· تحسن المعيشة: ارتفاع متوقع في الدخل القومي الفردي وزيادة في الاستهلاك والاستثمار المحلي.
· طوفان استثماري: ارتفاع حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وإن كانت نسبتها إلى الناتج المحلي لا تزال بحاجة للتعزيز.
القطاعات الرائدة في دفع عجلة النمو
حدد التحليل الاقتصادي ثلاثة قطاعات ستكون حاضنة النهضة:
1. قطاع الطاقة: مع استثمارات ضخمة في المحطات الغازية والشمسية لمعالجة أزمة الكهرباء وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
2. قطاع الزراعة: من خلال إعادة تأهيل البنية التحتية الريفية وزيادة الإنتاج لتحقيق الأمن الغذائي وتعزيز الصادرات.
3. قطاع البناء والعقارات: لمواجهة الطلب الهائل على إعادة الإعمار والإسكان، مدعوماً باستثمارات في البنية التحتية من طرق وموانئ.
وبعد عامٍ من الانطلاقة الجديدة، يختتم د. عبد الله قزاز تحليله بالقول: “نجد أنّ الاقتصاد السوري قد شهد نهضة اقتصادية ملفتة، وأنّ التغيير الاقتصادي نحو الأفضل مستمر، وأنّ المواطن السوريّ بدأ يشعر بهذا التحول الإيجابي”. ولا يمكن التقليل من أهمية الخطوات الاقتصادية الجريئة التي تم اتخاذها، ويستحق الشعب السوري الصامد هذا النصر والتقدم، وكل عام وسوريا وشعبها بألف خير.