الحرية – باسمة اسماعيل:
عام مضى على إعلان عيد التحرير في سوريا، عام يصفه كثيرون بأنه لحظة الانبعاث بعد عقود من الظلم، ودوامة حرب لم تبقِ سوى الرماد.
وبين شوارع ترفرف فيها الأعلام، ووجوه تستعيد القدرة على الحلم، يبرز سؤال حتمي: ماذا تغير فعلاً خلال عام؟ وكيف ينظر السوريون إلى هذه الذكرى اليوم؟
نقطة تحول
من شهادات كتاب وفنانين وإعلاميين، إلى أصوات مواطنين، رسمت صورة بانورامية لعام يعتبره السوريون “نقطة التحول” بين ما كان وما سيكون.
التحرير من حدث سياسي إلى منعطف إنساني
وفي حديثه لـ “الحرية” ربط الإعلامي مؤتمن حداد بين التحرير والتحول النفسي الذي عاشه السوريون.
وأضاف: يوم التحرير كان لحظة “انقشاع المستحيل” من الوجدان، وتحول الخوف المتجذر إلى يقين.
وشبّه حداد ذلك اليوم وتلك اللحظات بمسحة رسول، أعادت للوجوه الطمأنينة، وللقلوب القدرة على الحلم من جديد.
ودعا حداد أبناء الوطن إلى استكمال مسيرة التحرير على مستوى القيم، بتحرير القلوب من الحقد، والعقول من الجهل بالعلم، والسلوك من الجاهلية بالخلق الحسن، مؤكداً أن سوريا لن تنهض إلا بجناحي شعبها، اللذين يضمنان تحليقها نحو مستقبل يليق بتضحيات أبنائها.
قلوب تستقبل الضوء
بصوت يغلب عليه التأثر، تحكي الكاتبة أمل حورية لـ “الحرية” عن صعوبة وصف اللحظات الأولى للتحرر، قائلة:
بالنسبة لي كان الأمر أقرب إلى “الحلم الجميل” بعد سنوات من القمع والحرمان.
وأوضحت أن كثيرين ما زالوا يشعرون بأن ما حدث يفوق التصديق، بعد عقود من الألم والحرمان والصمت، مستعيدة تلك اللحظات التي تحول فيها الدعاء إلى واقع، والظلم صار صفحة تطوى، والقلوب المثقلة إلى قلوب تستقبل الضوء للمرة الأولى بعد سنوات.
وترى أن التحرير أعاد للسوريين شعور الانتماء الحقيقي، لوطن كاد يسلب منهم بعد أن احتكره الظلم لعقود، وأن الأمل المتجدد هو أعظم ما تركه العام الأول للتحرير، موجهة تحية لدماء الشهداء ودموع الأمهات، وبأمنية أن تشرق سورية كل عام بمحبة وبناء ونصر.
عودة سوريا إلى خارطة الأمل
وفي زاوية أخرى من المشهد، يرى رسام الكاريكاتير والإعلامي جورج شويط أن سوريا بعد عام من التحرير، تقف على أعتاب مرحلة جديدة، مرحلة يعاد فيها ترميم الهوية الوطنية بين ماض مثقل وجديد طامح للنهوض.
وأشار شويط في حديثه لـ “الحرية” إلى أن العام الأول كان فاصلاً بين بلد أنهكته الحرب حتى التلاشي، وبلد خرج من تحت الركام ليقدم نفسه من جديد، مبيناً أن العالم ينظر اليوم إلى سوريا بجدية مختلفة.
وأضاف: إن التحولات التي شهدتها البلاد خلال اثني عشر شهراً، طالت السياسة والدبلوماسية والاقتصاد والصحة والتعليم والإعلام والخدمات، واصفاً هذا الحراك بأنه “أقرب إلى المتخيل”، وكفيل بمنح السوريين حق الاحتفال بنصر يعيد إليهم الثقة لبلدهم ومكانتها التاريخية والحضارية.
من الساحات.. المواطنون يرسمون مستقبلهم
على الأرض تظهر روايات الناس أكثر واقعية وتلقائية، حيث قالت المدرسة ازدهار لـ “الحرية” : لأول مرة أشعر أن المستقبل ممكن، صرنا نسمع عن مشاريع جديدة بدل أخبار القصف والخوف، وأشار تاجر الجملة أبو ياسر إلى أن سوريا جميلة بكل مكوناتها، ونحتاج اليوم للمسامحة أكثر من أي شيء، مضيفاً أن التحرير الحقيقي أن نصلح ما بيننا.
وقالت الطالبة الجامعية هدى: نشعر اليوم نحن الشباب أننا جزء من بلد يصغي لنا، هذا وحده يساوي الكثير.
وبيّن العامل محمود: نبدأ من الصفر، لكننا نبدأ معاً وهذا الأهم. فالبلد بحاجة لكل يد تشتغل بصدق.
ولفتت الموظفة ليلى إلى أن الاستقرار الأمني النسبي أعاد الثقة بالحياة اليومية، فقد صارت الشوارع مزدحمة من جديد، هذه الحياة هي الانتصار الحقيقي.
عام التحرير منصة تلتقي عندها الأصوات المختلفة
الذكرى الأولى لعيد التحرير لم تكن مجرد احتفال، بل منصة تلتقي عندها الأصوات المختلفة،
صوت الفنان الذي يرى الهوية تعاد صياغتها، وصوت الإعلامي الذي يقرأ التحول النفسي، وصوت الكاتبة التي تحتفي بعودة الضوء، وصوت المواطن الذي يبحث عن لقمة العيش بكرامة.
هذا العام، كما يراه كثيرون، ليس نهاية الحرب فحسب، بل بداية مسار طويل لإعادة بناء ما تهدم مادياً وإنسانياً.
ويبقى السؤال مفتوحاً:
هل ستنجح سوريا في تحويل هذا الأمل إلى واقع دائم؟
الأيام القادمة ستجيب، لكن الأكيد أن الشعب اليوم أكثر استعداداً لكتابة فصله الجديد.