الحرية– سامي عيسى:
جملة من المتغيرات على الساحة الاقتصادية السورية، فرضتها الظروف الحالية، والتي شكل معظمها حالة ضغط على ظروف المعيشة، وأدواتها على الصعيد الحكومي والأسرة أيضاً، الأمر الذي يفرض على المواطن اللجوء إلى “إنفاق مدخراته” لتأمين مقومات معيشته اليومية، وهذا مؤشر خطير يرى فيه الخبير الاقتصادي عابد فضلية الكثير من الخطورة وتدهوراً في الحالة الاقتصادية على مستوى العام والخاص.
الانفاق وخزنة المدخرات
وبالتالي هنا اللجوء إلى “جيبة” المدخرات لتأمين إنفاق المعيشة يعتبر مؤشراً لتدهور الحالة الاقتصادية العامة، والأسرة على وجه الخصوص، الأمر الذي يفرض حالة جديدة نجدها في تعدد أسعار الصرف في السوق المحلية، والتي نعتبرها عاملاً مشجعاً لصرف المدخرات، ويعتبر الخبير الاقتصادي “فضلية” هذه الحالة غير صحية اقتصادياً، وأن المواطن اليوم تحت سقف خطر الادخار بسبب عدم استقرار الليرة وتدني القوة الشرائية.
تدهور القوة الشرائية
الخبير الاقتصادي عابد فضلية يشير إلى أن ما يحدث في أسواقنا المحلية من حالات اضطراب في توافر المواد والسلع، وتذبذب أسعارها، وتراجع الحركة التجارية في الأسواق الرئيسية، قبل الفرعية وحتى المحال التجارية المنتشرة في الحارات الشعبية وغيرها، مع الانتباه إلى الكم الهائل من البسطات التي مازالت تفترش الأرصفة، وأزقة الشوارع ميداناً لها، لأن الحالة الاجتماعية قبل الاقتصادية قد تغيرت كثيراً، والمردود المادي هبط فيها إلى مستويات متدنية، تركت وراءها واقعاً معيشيا صعباً.
تأثير السياسات الاقتصادية السابقة
السياسات الاقتصادية السابقة أوصلت المجتمع السوري إلى هذا المستوى، والوصول اليوم إلى تدهور القوة الشرائية، والبطالة، دون تجاهل تداعيات الظرف الصعب الذي تمر به الحكومة اليوم من نقص في السيولة، وقلة الموارد وغيرها، الأمر الذي شكل قوة ضغط على المواطن واتجاهه لإنفاق المدخرات لديه، وهذا مؤشر خطير لمستوى المعيشة بالانخفاض، بدلاً من قراءة علامات التحسن.
الاحتفاظ بالمدخرات بالعملة الأجنبية
لكن الخبير فضلية يرى أن أي مواطن لا يريد (عموماً) أن يصرف أي ورقة نقدية من مدخراته، لكنه يفعل ذلك عندما يكون مضطراً لتأمين ما هو أشد منه، وهذا الحال ينطبق على الكثير من الذين يقومون بالتصريف طبعاً (إن كان لديه ما يصرفه) باعتبار أن مصاريف المعيشة تفوق متوسط الدخل، لاسيما بالنسبة لأصحاب الرواتب وأصحاب المهن، والحرف وغيرهم ممن تأثروا بما يحدث في الأسواق وغيرها من الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية والخدمية.
تأثيرات سلبية
الأمر الذي يترك آثاراً سلبية لا تقتصر على فئة بعينها، بل تطول معظم شرائح الشعب، وظهور حالة من عدم الاطمئنان والاستقرار الاقتصادي، بسبب لجوء المواطن للتصرف بالمدخرات التي يرى فيها “فضلية” أن هذه السلبية تنعكس فقط على من يقوم بالتصريف (من مدخراته) وقد ينعكس ذلك إيجاباً على سوق القطع، ويحقق انخفاضاً في سعر القطع في السوق المحلية.
لكن هناك حالة مقلقة إلى حدِ ما، هي تعدد أسعار الصرف في السوق المحلية، والتي غالباً ما تكون مشجعة لصرف المدخرات ضمن ظروف معيشية صعبة، يحتاج فيها المواطن لكل شيء، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل تعدد أسعار الصرف في السوق حالة صحية، وتحمل الكثير من الإيجابية.
حالة غير صحية
وعلى وجه العموم إن هذه الحالات تنشط عند حالة التصريف في السوق السوداء، عندما يكون هناك فرق بأسعار العملة الصعبة بين السعر الرسمي والسعر غير الرسمي، وهذه حالة غير صحية اقتصادياً، حيث يكون للعملة الصعبة عدة أسعار وهذه مسألة لا تحدث إلا في الدول النامية.
وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال مهم جداً كيف يمكن الخروج من كل ذلك، ونحقق استقراراً نوعياً لليرة، مقابل العملات الأخرى؟، وهنا يجيب “فضلية”: وباختصار شديد “إن استقرار أو عدم استقرار سعر صرف العملة، أمر يتعلق بالحالة الاقتصادية السائدة أو الحالة السياسية والأمنية حتى النفسية السائدة.”
الادخار بالعملة الصعبة
وفي هذه الحالة، اتجاه الادخار إلى أين؟ هل بالعملات الأجنبية أم بالوطنية..؟ والجواب عليه مرهون بالحالة الاقتصادية العامة، حيث أكد “فضلية” أن الادخار على وجه العموم يتم بالعملة الصعبة عندما تكون قيمة العملة الوطنية متقلبة، أو متدهورة.
فاليوم على سبيل المثال قيمة الدولار في سورية تتفاوت ما بين 11- 12 ألف ليرة، بينما كانت منذ عدة سنوات أقل من خمسة آلاف رغم أن القيمة الشرائية للدولار هي نفسها في كلتا الفترتين.
الاستقرار ضروري
وبالتالي طبيعة المرحلة الاقتصادية هي التي تفرض حالة الادخار، فالاستقرار له اتجاهاته بالادخار، وعدم الاستقرار له اتجاهاته أيضاً، والفاصل بينهما ماذا يريد المواطن من الادخار، لأنه صاحب رأس المال والقرار في نفس الوقت، والمتحكم فيهما الحالة العامة للاقتصاد الوطني، لذلك النصيحة بالادخار بالعملة الصعبة، أم بالوطنية قرار مربوط بهذه الحالة، والمواطن السوري اليوم تحت سقف خطر الادخار لعدم استقرار سوق الصرف وتدني القوة الشرائية.
وما نحتاجه اليوم، وفقاً لفضلية، هو مقومات الاستقرار السياسي والاقتصادي، وقبلهما الأمني حتى يصار العيش ضمن حالة مستقرة وآمنة.