الحرية – ميسون شباني:
في عالم الإنتاج الفني تتشابك العناصر الإبداعية والتقنية لتشكّل تجربة مرئية متكاملة، ويلعب مدير الإنتاج دوراً محورياً لكنه غالباً غير مرئي بالنسبة للجمهور. فهو – حسب رأي الكثير من العاملين في هذا المجال – المحرك الذي يضمن سير العمل الفني بكفاءة، من لحظة فكرة المشروع وحتى لحظة عرضه على الشاشة. وعادةً ما يتصدّر الإخراج والتمثيل المشهد الدرامي، لكن مدير الإنتاج هو الذي يضمن أن كل شيء يسير وفقاً للخطة الفنية، ويتعامل مع جميع التحديات التي قد تطرأ خلال التصوير. وعلى الرغم من أن هذه الوظيفة قد تبدو إدارية بحتة في الظاهر، إلا أن الواقع يكشف عن أنها تتطلب مزيجاً من المهارات الإدارية، التنظيمية، والإبداعية، وهي وظيفة لا يمكن الاستغناء عنها في أي عمل درامي أو سينمائي.
خبرة وعلاقات أكثر من شهادة أكاديمية
يؤكد عبد الرزاق الحوراني صاحب الخبرة الطويلة في مجال الإنتاج التلفزيوني، أن معظم من يشغلون هذا المنصب في سوريا لا يحملون شهادة أكاديمية متخصصة في إدارة الإنتاج، حيث إن المجال يعتمد أساساً على الخبرة العملية والعلاقات الشخصية. من هنا تبدأ رحلة مدير الإنتاج عادة من المساعد، ثم يتطور ليصبح منفذاً للإنتاج، وفي نهاية المطاف مديراً للإنتاج أو حتى منتج فني، إذا أتيحت له الفرصة.
من الفكرة إلى العمل الفني المتكامل
ويضيف الحوراني بأن عملية الإنتاج تبدأ بفكرة قد تتحول إلى قصة وسيناريو، ويأتي دور مدير الإنتاج في هذه المرحلة لضمان تنفيذها بشكل متكامل. وحسب حوراني، بعد الموافقة على النص، يقوم مدير الإنتاج مع المخرج بتشكيل الكادر الفني، والذي يتضمن تحديد الشخصيات، مواقع التصوير، والإكسسوارات المطلوبة، بالإضافة إلى الترتيبات اللوجستية الأخرى مثل الكومبارس والممثلين. ثم يأتي دور مدير الإنتاج في وضع الموازنة المالية للمشروع، وهو أمر حاسم في تحديد كل شيء، من أجور الممثلين إلى تكلفة المعدات والديكورات. وفي حال كان العمل يتطلب فنيين متخصصين، مثل مخرج منفذ أو مهندس صوت، فهو يقوم بالتواصل معهم وتنسيق الأمور الفنية لضمان سير العمل وفق الخطة الموضوعة.

شريك فني وإداري
وفي الوقت الذي يراه البعض مجرد منسق إداري، يوضح رامي عبيدو أحد المهنيين في مجال الإنتاج، أن مدير الإنتاج هو في الواقع “شريك بالقيمة الفنية” للعمل. فهو ليس فقط المسؤول عن تنفيذ الميزانية، بل يتعاون مع المخرج لاختيار الفنيين والممثلين الذين يتناسبون مع الأجور المحددة مسبقاً. وإذا كانت بعض الخيارات الفنية تتجاوز الموازنة المتاحة، فإن مدير الإنتاج يملك الحق في رفضها، إلا أنه لا يستطيع فرض اختياراته على المخرج إلا في حالة وجود تفاهم مبدئي وثقة مهنية بينهما. وبناءً على ذلك، فإن التفاهم بين مدير الإنتاج والمخرج يتعدى الأمور المالية إلى التعاون الفني، حيث يعمل كلاهما كفريق واحد لتحقيق الهدف المشترك: إنتاج عمل فني متكامل ومقنع.
المسؤولية الكبرى في تشكيل الكادر الفني
من أهم جوانب عمل مدير الإنتاج هو تشكيل الكادر الفني، الذي يعد من الركائز الأساسية لنجاح أي عمل درامي. ويوضح المنتج الفني أشرف غيبور أن الكادر الفني يجب أن يكون متعاوناً ومؤهلاً لضمان تنفيذ العمل بجودة عالية. بدءاً من الممثلين الرئيسيين وصولاً إلى الفنيين المتخصصين في المونتاج والصوت، يُعتبر التفاهم بين كل هذه الأطراف ضرورة لتحقيق النجاح الفني. ويشير غيبور إلى أنه لا يوجد اختلاف كبير بين الأعمال الدرامية التاريخية والبيئية والاجتماعية فيما يخص العملية الإنتاجية من حيث تنظيم العمل وتنسيق الطاقم الفني. إلا أن الأعمال التاريخية والبيئية تحتاج إلى دقة أكبر في التفاصيل، مثل اختيار الديكورات والملابس والإكسسوارات، وهو ما يتطلب جهداً إضافياً من مدير الإنتاج.
التحديات التي يواجهها مدير الإنتاج
إضافة إلى مسؤوليته في تنظيم الجوانب المالية والفنية، يواجه مدير الإنتاج تحديات مستمرة أثناء التصوير. من التأكد من التزام الفريق بالجداول الزمنية إلى مواجهة المشاكل غير المتوقعة التي قد تنشأ، مثل تغيرات الطقس أو مشاكل تقنية، على مدير الإنتاج أن يكون مستعداً للتعامل مع أي عقبة قد تؤثر على سير العمل. وعلى الرغم من ذلك، يظل هو الشخص الذي يعتمد عليه الجميع لضمان أن كل شيء يسير بسلاسة.
في هذا السياق، يوضح محمود شلش، مدير الإنتاج، قائلاً: “الأعمال التاريخية تتطلب بناء ديكورات ضخمة للغاية، لتكون قادرة على تقديم الحقبة الزمنية التي تدور حولها القصة. كما إن الأزياء الخاصة بكل فترة تاريخية يجب أن تكون دقيقة للغاية، ما يزيد من التكاليف. كذلك، تحتاج مثل هذه الأعمال إلى عدد كبير من الكومبارس والخيول التي تُستخدم في تصوير المشاهد التاريخية.”
أجر الفنان وتوفير الطعام
ويضيف محمود شلش أن أجر الفنان يعتمد بشكل أساسي على نجوميته وحجم الدور الذي يؤديه. في الدراما السورية، ويعتبر تيم حسن من أعلى الأجور بفضل شعبيته وأدواره البطولية، يليه العديد من النجوم مثل عباس النوري وسلاف فواخرجي. كما يتحدث شلش عن جانب آخر من العمل، قائلاً: “بالطبع، الطعام جزء لا يتجزأ من العمل. يتم تأمين الطعام لجميع العاملين وفقاً للميزانية المحددة، مع التأكد من توفير وجبات مرضية للفريق بأكمله.”
بين المنتج ومدير الإنتاج من يقرّر؟
ويوضح محمود شلش الفرق بين مسؤوليات المنتج ومدير الإنتاج، حيث يقول: “المنتج هو المسؤول عن التمويل، في حين أن مدير الإنتاج يدير كل شيء من التنظيم اللوجستي إلى التنفيذ الفني. المنتج يتخذ القرارات الكبرى، بينما مدير الإنتاج يتعامل مع التفاصيل اليومية.”
وتشارك الجميع بفكرة أساسية هي أن مدير الإنتاج هو المحرك الأساسي للعمل الفني. مهمته لا تقتصر فقط على إدارة الأمور المالية والإدارية، بل تتطلب أيضاً التنسيق والتخطيط الفني لضمان تقديم عمل متميز ومتكامل. ومع تحديات مثل التكاليف المرتفعة للأعمال التاريخية وتنظيم العمل تحت ظروف غير متوقعة، يظل مدير الإنتاج هو الشخص الذي يحافظ على سير العمل بشكل سلس وفعال.