بعد سنوات من التحديات.. معبر التنف نقطة تحول في التعاون السوري – العراقي

مدة القراءة 8 دقيقة/دقائق

الحرية – رشا عيسى:
تحوّل معبر التنف بين سوريا والعراق إلى أحد أهم المحاور الاستراتيجية التي قد تسهم في تعزيز العلاقات بين البلدين، وخاصة بعد التحولات السياسية والاقتصادية التي شهدتها المنطقة، وبعد عام على انطلاق سوريا الجديدة يبدو أن هذا المعبر يتخذ اليوم أبعاداً جديدة بعد مناقشات لإعادة فتحه، ليكون بوابة اقتصادية لسوريا تكسر عزلة قديمة، وتفتح آفاقاً تجارية جديدة للعراق.
ويعكس الاتجاه لفتح “التنف” جهداً دؤوباً من قبل الحكومتين السورية والعراقية لتحقيق التكامل الاقتصادي، ويُعد خطوة مهمة نحو تعزيز العلاقات التجارية بين البلدين، ولا سيما في مجالات التجارة والنقل والطاقة، كما يمثل المعبر نقطة تحول في بناء الثقة السياسية والأمنية بين البلدين، ويعكس رغبة حقيقية في تطوير التعاون على جميع الصعد لتحقيق استقرار المنطقة.
وعليه فإن “التنف” ليس مجرد معبر حدودي، بل يمثل مشروعاً اقتصادياً وتنموياً يهدف إلى تعزيز الاستقرار والأمن الاقتصادي في المنطقة، ويعكس انموذجاً للتعاون العربي الذي يستند إلى المنفعة المتبادلة والمصالح المشتركة.
دمشق وبغداد بحثتا مؤخراً وبشكل مشترك تسريع افتتاح “التنف” وبناء منفذ جديد في البوكمال خلال اجتماع مشترك عقد في دمشق مع الجانب العراقي، وناقش الجانبان آليات تسريع افتتاح “التنف”، والأعمال التي ستقوم بها الهيئة العامة للمنافذ والجمارك لبناء منفذ جديد في منطقة البوكمال ليكون بديلاً من المنفذ الحالي.
كما تناولت المباحثات آليات تطوير العمل في المنافذ الحدودية بين البلدين، بما يسهم في تسهيل عبور المسافرين والبضائع وتعزيز التبادل التجاري، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على حركة النقل والتجارة ويخدم المصالح الاقتصادية المشتركة.

دور”التنف” في تعزيز العلاقات السورية – العراقية

الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية المهندس باسل كويفي يرى أنه وبعد عام من التحرير وسقوط النظام السابق، باتت سياسات الحكومة السورية على الصعيدين الاقتصادي والدبلوماسي محوراً رئيسياً في إعادة فتح معبر التنف بين سوريا والعراق.

بعد استراتيجي وآفاق اقتصادية

يعد معبر التنف نقطة محورية في العلاقات الاقتصادية بين سوريا والعراق كما يوضح كويفي لـ “الحرية” ، بما يحمله من فوائد استراتيجية واقتصادية، فمن الناحية الاستراتيجية، يسهم المعبر في كسر الحصار الاقتصادي المفروض على سوريا، مع فتح أسواق جديدة للسلع والمواد الأولية عبر العراق، ما يقلّل تكاليف النقل ويسرع عمليات التوريد، كما يسهم في تعزيز الأمن الاقتصادي من خلال مراقبة الحدود وضمان عدم تهريب المواد الممنوعة.
وأيضاً يسهم المعبر في إعادة تنشيط التجارة بين البلدين، وفتح خطوط جديدة بين سوريا وأسواق العراق والخليج. هذا التفعيل يعزز النشاط التجاري في المحافظات الشرقية السورية ويكسر الحواجز التي كانت تحد من حركة السلع والخدمات، بالإضافة إلى ذلك، يسهم المعبر في توسيع وتنويع المنافذ الحدودية، ما يزيد من المرونة اللوجستية في المنطقة.

الأبعاد السياسية والاقتصادية

عودة العلاقات التجارية بين سوريا والعراق تحمل أبعاداً سياسية وإقليمية مهمة، فمن الناحية السياسية، تسهم في بناء الثقة بين البلدين وحل الخلافات القديمة، ما يعزز استقرار المنطقة بشكل عام. كما تسهم في استعادة الدور التاريخي لسوريا كحلقة وصل بين العراق والبحر المتوسط، وتعزز التكامل الاقتصادي العربي.

تعزيز فرص العمل ونقل التكنولوجيا

من الناحية التنموية، يوفر المعبر فرصاً حقيقية لتعزيز التكامل الاقتصادي بين البلدين وإيجاد فرص عمل جديدة في القطاعات المرتبطة بالتجارة والنقل، ويعزز التعاون في مجالات مثل إعادة الإعمار والطاقة، كما يعزز نقل الخبرات والتكنولوجيا بين البلدين، ما يعزز القدرة على مواجهة التحديات التنموية.

إجراءات عاجلة لتفعيل المعبر

وللاستفادة القصوى من معبر التنف، يرى المهندس كويفي أن الأمر يتطلب اتخاذ مجموعة من الإجراءات العاجلة على المستويين السوري والعراقي، ومن أبرز هذه الإجراءات: تطوير البنية التحتية عبر تحديث الطرق ومراكز الخدمات اللوجستية، وتوفير أنظمة تفتيش حديثة مثل الماسحات الضوئية لضمان الرقابة الأمنية والجمركية الفعالة. كما يجب إصلاح الإطار القانوني والإداري، بما في ذلك تنسيق التعرفة الجمركية وتوحيد المواصفات والمقاييس.

التحديات والفرص

رغم الفوائد الكبيرة، تواجه مشاريع إعادة تفعيل معبر التنف بعض التحديات الأمنية والمالية، يتطلب الأمر تطوير آلية أمنية مشتركة واستخدام التكنولوجيا الحديثة في مراقبة الحدود، كما يجب معالجة التحديات البيروقراطية من خلال ترتيبات مشتركة تسهم في تسهيل الإجراءات وتخفيف العقبات.

الفرص المتاحة للعراق

بالنسبة للعراق، يوفر معبر “التنف” فوائد كبيرة، أبرزها زيادة فرص التصدير للمنتجات الزراعية والصناعية السورية، وتقليل التكاليف المرتبطة بالاستيراد، وخاصة فيما يتعلق بالبضائع الأوروبية، كما يسهم في تنشيط حركة التجارة في المحافظات العراقية مثل الأنبار ونينوى، ويعزز الأمن الغذائي من خلال الاستيراد المباشر من المناطق الزراعية السورية.

مشاريع بنية تحتية مشتركة

من أبرز المشاريع التي يمكن أن تسهم في تعزيز التعاون بين البلدين، يحددها المهندس كويفي بمشروع ربط العراق بالسواحل السورية عبر السكك الحديدية، وتشغيل خطوط نقل النفط من كركوك إلى بانياس، بالإضافة إلى ذلك، يمكن تفعيل شبكة الكهرباء المشتركة لتحقيق التكامل في قطاع الطاقة بين البلدين.

التعاون المؤسسي ودور القطاع الخاص

إلى جانب التعاون الحكومي، ينبغي أيضاً تطوير تعاون مؤسسي من خلال إنشاء بنك تجاري مشترك لتسهيل المعاملات المالية بين البلدين. كما يمكن إقامة مجلس أعمال سوري- عراقي، وشركات نقل وصندوق استثماري ثنائي لدعم المشاريع الاقتصادية المشتركة كما يحدد كويفي.
“التنف” ليس ممر عبور فقط بل هو مشروع تنموي متكامل يسهم في تعزيز التعاون الاقتصادي بين سوريا والعراق. وتفعيله يمثل خطوة نحو إعادة الإعمار في شرق سوريا وغرب العراق، ويعزز النموذج العربي للتكامل الاقتصادي القائم على المنفعة المتبادلة. النجاح في تفعيل هذا المعبر يتطلب إرادة سياسية قوية ورؤية اقتصادية واضحة، ودور فعال للقطاع الخاص، بالإضافة إلى دعم المجتمعات المحلية لتكون جزءاً من هذه المسيرة التنموية المشتركة.
ويحتل التنسيق الحدودي بين الجارتين أهمية خاصة لعدة أسباب أبرزها طول الحدود المشتركة التي تمتد عبر عدة مناطق استراتيجية، ما يعزز دور المنافذ الحدودية في التجارة والتعاون الإقليمي. وتمتد الحدود بين سوريا والعراق لحوالي 605 كيلومترات، وتضم عدة معابر رئيسية وهي: معبر البوكمال (القائم) الذي يعد أحد أبرز المنافذ الحدودية بينهما، ويقع في البوكمال بمحافظة دير الزور، ويمثل نقطة عبور حيوية للتجارة بين البلدين.
وبعد إعادة فتحه، أصبح المعبر مهماً في تنشيط حركة التجارة بين العراق وسوريا، ويعتبر نقطة وصل بين سوقي البلدين والأسواق الخليجية، كما أن له أبعاداً استراتيجية تعزز من دور سوريا كحلقة وصل بين العراق ومنطقة البحر الأبيض المتوسط. كما يتيح للعراق تصدير المنتجات الزراعية والصناعية عبر الأراضي السورية إلى الأسواق الأوروبية.
ومعبر التنف الذي يجري العمل لفتحه يُعد من المنافذ الحدودية الحساسة بين البلدين، حيث يقع في منطقة صحراوية في الجنوب الشرقي لسوريا بالقرب من الحدود الأردنية. على الرغم من أنه كان مغلقاً لفترات طويلة بسبب التوترات الأمنية، إلا أن إعادة افتتاحه تمثل خطوة حيوية نحو إعادة تنشيط التجارة والأنشطة الاقتصادية.
كما مثل المعبر نقطة محورية في تعزيز الأمن الإقليمي، من خلال ضمان الرقابة على حركة المرور عبر الحدود بين البلدين.
ومعبر ربيعة وهو المنفذ الرئيسي بين محافظة الحسكة ومحافظة نينوى العراقية. يقع في شمال شرق سوريا، ويعد من المعابر التاريخية التي كانت تستخدم لنقل البضائع من العراق إلى سوريا بفضل قربه من مدينة الموصل.
وتعد هذه المنافذ الحدودية من أهم القنوات التجارية التي تسهم في تحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدين وتحفيز الاستثمارات وتعزيز الاستقرار الإقليمي.

Leave a Comment
آخر الأخبار