الحرية- بادية الونوس:
يعود مشهد موسم الحمضيات في سوريا كل عام، محملاً بتحديات متكررة تبدأ من غياب التسويق الفعّال، وتمتد إلى نقص الدعم للمزارعين وتحديد سعر محفّز لهم، ما يؤثر سلباً على زراعة هذا القطاع الحيوي.
ففي كل موسم، يتم إغراق الأسواق بكميات كبيرة من الموز بأسعار تقارب أسعار الحمضيات، ما يؤدي إلى ضرب الموسم الزراعي بأكمله، ويجبر المزارعين على التفكير في التوجه إلى الزراعات الاستوائية الأكثر ربحاً.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن لما يتوالى مسلسل تزامن إغراق السوق بفاكهة الرفاهية (الموز)، الأمر الذي يؤدي إلى ضرب موسم لعام كامل يتميز بقيمته الغذائية ونكهته الفريدة؟ النتيجة المزيد من الخسائر للمزارعين، وهل يمكننا التفريط في فرصة التصدير إلى الأسواق الخارجية؟
وجع متكرر
في كل موسم يعلق المزارعون آمالاً كبيرة على إنتاجية الحمضيات ولكن الخيبات تتكرر كل عام، إذ يتكبد المزارع خسائر كبيرة نتيجة هذه المتوالية تزامن استيراد الموز مع موسم الحمضيات.
يقول أبو أحمد من ريف اللاذقية: الموسم وفير لكن بالتأكيد السعر المنخفض لا يغطي التكاليف والتعب لأسرة كاملة، ناهيك بأسعار اليد العاملة والمحروقات والمبيدات وغير ذلك، إذ يتراوح سعر الكيلو ما بين ثلاثة آلاف و أربعة آلاف ليرة من أرض الإنتاج، وفق جودة كل نوع وبعد فرزه، بينما يصل سعر الكيلو في السوق إلى10 آلاف وهذه الأرباح تعود لجيب التاجر.

تحديات السوق
بحسب مدير مكتب الحمضيات بوزارة الزراعة، حاتم مجر، تقدّر كميات الإنتاج لموسم 2025-2026 بحوالي 590 ألف طن، موزعة بين محافظتي اللاذقية التي تنتج حوالي 440 ألف طن من 31 ألف هكتار، وطرطوس التي تنتج 150 ألف طن من 9 آلاف هكتار، بالإضافة إلى كميات في محافظات أخرى، إلا أن التقديرات الأولية تظهر انخفاضاً بنسبة كبيرة مقارنة بمتوسط السنوات العشر الماضية، ما ينبئ بتحديات إنتاجية تفرض نفسها على السوق.
مجر : يقدر الإنتاج لهذا العام ٥٩٠ ألف طن من محافظتي اللاذقية وطرطوس
إشراك القطاع الخاص
يشير مجر إلى أن هذه الزراعة تلبي الحاجة المحلية وتوفر دخلاً إضافياً للمزارعين، لكنه يؤكد أهمية إشراك القطاع الخاص وخاصة في عمليات الفرز والتوضيب والتصنيع للحفاظ على ثبات السوق المحلية ومنافسة الأسواق العراقية والخليجية.
جهود لسد العجز ودعم الأسعار
أوضح الدكتور سعيد إبراهيم، مدير الاقتصاد والتخطيط الزراعي في وزارة الزراعة، أن احتياج سوريا من الموز يبلغ 150 ألف طن، في حين يتوقع إنتاج هذا الموسم 50 ألف طن فقط، ما استدعى السماح باستيراد 100 ألف طن لتغطية النقص والحفاظ على الاستقرار في السوق.
وأضاف: شهدت أسعار الحمضيات انخفاضاً مقارنة بالموسم الماضي، لكنها ما زالت جيدة، حيث تتراوح بين ٦ آلاف إلى ١٠ آلاف ليرة للكيلو، مع مخاطبة وزارة الاقتصاد للمتابعة لتصريف أي فائض قد يظهر.
ابراهيم : يتم استيراد الموز لترميم النقص في السوق المحلية مع متابعة لتصريف الفائض من الحمضيات
ضرورة دعم المنتج المحلي
يؤكد الباحث في الشؤون الزراعية محمد جغيلي أن دعم المنتج المحلي يجب أن يكون في صلب السياسات الزراعية الحكومية، كما كان مطروحاً منذ سنوات، وذلك عبر فرض ضرائب على المستوردات غير الضرورية وتنظيم الاستيراد بما يحمي المنتج الوطني ويحفز الفلاح على الاستمرار.
كما يبرز جغيلي أهمية إنشاء مصفوفة تسويقية متكاملة بالتعاون مع الدول المجاورة مثل لبنان والأردن والعراق ومصر، لتنظيم حركة الاستيراد والتصدير بشكل يساهم في سد الاحتياجات دون الإضرار بالمنتج المحلي.
جغيلي: يجب وضع سياسة تسويقية مدروسة تحدد أسعاراً محفزة للمزارعين
أفق جديد للزراعات والتصنيع
يضيف الباحث في الشؤون الزراعية الجغيلي: هناك حاجة ملحة لتوسيع البحث والاهتمام بالزراعات الجديدة مثل الكيوي والأفوكادو، التي بدأت تحقق نجاحات واعدة في سوريا، ويشدد على أهمية زيادة مراكز الأبحاث الزراعية لدعم هذه الاتجاهات.
كما يؤكد أن تراجع زراعة الحمضيات يعود بشكل رئيس إلى انخفاض الأسعار، الأمر الذي يستدعي البحث عن أسواق تصريف جديدة للمنتجات ذات الجودة العالية والقيمة الغذائية الكبيرة، إلى جانب التركيز على التصنيع الغذائي للفواكه الفائضة، وتحويلها إلى منتجات مثل العصائر والمربيات.
وضع سياسات تسويقية
دعا جغيلي الجهات المعنية لوضع سياسة تسويقية مدروسة تحدد أسعاراً محفزة للمزارعين، مع دعم عمليات التصنيع الغذائي والمشروعات الزراعية الجديدة التي تتناسب مع المناخ السوري، مثل زراعة الشاي والقهوة، بهدف تأمين الاستدامة الزراعية وتعزيز الأمن الغذائي الوطني.
استراتيجية متكاملة
إنجاز موسم الحمضيات يتطلب استراتيجية متكاملة تشمل التسويق، الدعم المالي، التصنيع، والتوسع في الأسواق الداخلية والخارجية، لضمان استمرارية هذا القطاع الحيوي وحماية مكتسبات الفلاحين السوريين.