بين وفرة بالسلع وقلق المصانع.. الانفتاح الاقتصادي ليس تهديداً شرط ضبط المستوردات

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية – نهلة أبو تك:

لم يكن الانفتاح الاقتصادي بالنسبة للسوريين مجرّد تحوّل في السياسات، بل تجربة معيشية يومية انعكست مباشرة على السوق، فجأة امتلأت الرفوف بسلع غابت طويلاً، وتعددت الخيارات، وتراجع الشعور بالندرة ، بالنسبة للمواطن المُنهك، بدا المشهد وكأنه استعادة جزئية لحياة طبيعية افتقدها سنوات.
لكن خلف هذا الارتياح الاستهلاكي، يتشكّل قلق أعمق لا يظهر في واجهات المحال، بل في المصانع وورش الإنتاج، حيث تُطرح أسئلة تتجاوز السعر والجودة إلى مصير العمل والإنتاج الوطني.

هشاشة كامنة

من منظور اجتماعي، لا يمكن التقليل من أثر وفرة السلع على المزاج العام، فالمستهلك السوري الذي عاش سنوات طويلة تحت ضغط الغلاء والخيارات المحدودة، وجد في الانفتاح متنفساً نفسياً قبل أن يكون اقتصادياً، إلا أن هذا التحرر السريع يخفي مفارقة خطيرة: سوق مفتوحة في اقتصاد لم يتعافَ إنتاجياً بعد.
اقتصاديون يرون أن المجتمعات المنهكة غالبًا ما تستقبل الانفتاح باندفاع استهلاكي، في وقت تكون فيه قاعدتها الإنتاجية الأضعف، ما يهدد بتحويل السوق إلى مستورد دائم بدل أن يكون مولّدًا للعمل.

الصناعة أمام اختبار غير متكافئ

في هذا السياق، يعبّر الصناعيون السوريون عن قلقهم من منافسة غير متوازنة مع منتجات أجنبية منخفضة الكلفة، ومدعومة في بلدانها الأصلية، تدخل إلى سوق يعاني أصلاً من ارتفاع كلف الطاقة، التمويل، والنقل.
الصناعي وعضو غرفة تجارة اللاذقية حسن أندرون يؤكد أن الانفتاح ليس المشكلة بحد ذاته، بل غياب أدوات الحماية والتنظيم، ويقول للحرية: الانفتاح يمكن أن يكون فرصة حقيقية للمنتج الوطني إذا ترافق مع تنظيم السوق ودعم الصناعة عملياً، اليوم المستهلك بدأ يميّز بين السعر والجودة والضمان، لكن من دون تخفيف كلف الإنتاج وتسهيل التراخيص وتحديث خطوط الإنتاج، ستبقى المنافسة غير عادلة.
حديث اندرون يعكس مخاوف شريحة صناعية ترى في الانفتاح اختباراً قاسياً لقدرتها على الصمود بعد سنوات من الاستنزاف.

خطر حقيقي

الخبير الاقتصادي خالد الخالدي يذهب أبعد من توصيف المشهد، معتبراً أن الخطر لا يكمن في الانفتاح، بل في دخوله إلى سوق غير منظم، ويشرح:الانفتاح الاقتصادي ليس تهديداً بطبيعته، لكنه يصبح خطراً عندما يغيب ضبط المستوردات، وتضعف مكافحة التهريب، ولا تُمنح الصناعة المحلية أدوات المنافسة العادلة، حينها تتحول السوق إلى مساحة استهلاك لا إنتاج.ويشير الخالدي إلى أن غياب السياسات المرافقة يحمّل المجتمع كلفة مزدوجة: تراجع فرص العمل محلياً، وزيادة الاعتماد على الخارج.

قطاعات قادرة محاصرة

ورغم الصورة القلقة، لا تزال قطاعات صناعية سورية تمتلك قدرة تنافسية حقيقية، مثل الألبسة والنسيج، الموبيليا، وبعض الصناعات الغذائية، هذه القطاعات التي بنت سمعتها على الجودة والخبرة، تواجه اليوم تحدياً مختلفاً: كيف تنافس في سوق مفتوحة بكلف إنتاج أعلى ودعم أقل؟
ومع تحوّل تدريجي في وعي المستهلك نحو الجودة وخدمة ما بعد البيع، يرى اقتصاديون أن الفرصة ما زالت قائمة لإعادة الاعتبار للمنتج المحلي، شرط أن تتحول المنافسة إلى أداة تطوير لا أداة إقصاء.

اقتصاد السوق أم اقتصاد العمل؟

يختصر الخالدي المشهد بما يسميه معادلة الانفتاح المنظم ، حيث لا يكون السؤال هل ننفتح أم لا، بل كيف نحمي العمل والإنتاج في سوق مفتوحة، ويؤكد أن المنافسة العادلة تتطلب: ضبط نوعية المستوردات ومواصفاتها، ومكافحة التهريب وإعادة التوازن للسوق ، مع تخفيف كلف الطاقة والتمويل، ودعم تحديث خطوط الإنتاج ، إضافة الى تقديم حوافز ضريبية وقروض ميسّرة ،وتحفيز التصدير بدل الاكتفاء بالاستهلاك.
بين رفوف ممتلئة ومصانع قلقة، يقف الاقتصاد السوري عند مفترق طرق اجتماعي واقتصادي، فالانفتاح إن لم يكن مداراً بسياسات تحمي العمل قبل الاستهلاك، قد يمنح السوق فرحاً مؤقتاً على حساب إنتاج طويل الأمد، أما إذا أُحسن تنظيمه، فقد يتحول إلى فرصة نادرة لإعادة بناء الثقة بالمنتج المحلي، لا بوصفه خياراً وطنياً فقط، بل خيار اقتصادي قابل للحياة.

 

Leave a Comment
آخر الأخبار