السعادة المؤقتة.. تخدير زائف للمشاعر وهروب من الواقع

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية ــ دينا عبد:

يمر الإنسان خلال مراحل حياته بأوقات عصيبة ترافقها مشاعر الحزن والتوتر، فتسكنه رغبة كبيرة في تهدئة مشاعره، فيخلق لنفسه أموراً إيجابية ليشعر أنه بخير، وهو يعلم في قرارة نفسه أن هذه المشاعر «مزيفة».

رصد حالات

وفي هذا السياق رصدت صحيفة «الحرية» عدداً من الحالات لأشخاص حاولوا أن يعيشوا متعة سريعة على حساب مشاعرهم، فمنهم من يلجأ إلى التسوق فيما يُعرف بـ «إدمان التسوق»، وآخرون يجدون في تناول الطعام متعة تحت مسمى «الأكل العاطفي»، ظناً منهم أنهم سيخففون الألم الداخلي الذي يعانون منه.

سلوكيات للهروب

نائل وهو طالب جامعي يختار مشاهدة مقاطع الفيديو القصيرة عبر «فيسبوك» للهروب من واقعه، خاصة بعد وفاة والده منذ فترة قريبة، وذلك حتى يتغلب على عاطفة الذكريات واسترجاع اللحظات الجميلة، ويقول نائل: «جميعنا نحاول أن نهرب من واقعنا، ولكن من الصعب الهروب من المشاعر والذكريات، وكذلك من الواقع الذي نعيشه».
أما سوسن «موظفة» فتعيش بمفردها، واعتادت على تناول الطعام كلما مرت بمواقف صعبة تثقل قلبها، حتى وإن لم تكن تشعر بالجوع، فتقول: «اعتدت على هذا السلوك منذ وقت طويل، ولا أجد نفسي إلا متجهة إلى المطبخ هرباً من التفكير والمشاعر التي أمر بها». وتضيف: «على الرغم من معرفتي بأن الإفراط في تناول الطعام يسبب لي الألم، إلا أنه أكثر وسيلة تمنحني الراحة المؤقتة».

خبيرة اجتماعية: من آليات الدفاع النفسية لحماية النفس من الألم العاطفي

رؤية نفسية

وهنا يبقى السؤال: كيف نتعامل مع مشاعرنا دون الهروب منها؟ وهل السعادة المؤقتة تخدّر مشاعرنا؟
أخصائية الصحة النفسية الدكتوره غنى نجاتي أوضحت لـ «الحرية» أن الإنسان يسعى إلى تخفيف الألم بأسرع وقت ممكن، وهذه طبيعة بشرية، وعندما يمر بمشاعر مزعجة كالحزن أو القلق أو الوحدة، يتحرك العقل العاطفي تلقائياً للبحث عن سلوك يمنحه شعوراً فورياً بالراحة دون مواجهة الداخل، وتشير نجاتي إلى أن السلوكيات مثل التسوق أو الأكل أو مشاهدة الفيديوهات تعزز نظام المكافأة في الدماغ وتفرز الدوبامين بشكل سريع، ما يعطي إحساساً مؤقتاً بالسعادة، حتى وإن لم يكن هناك حل حقيقي.
وأوضحت د.نجاتي أن المشكلة تكمن في أن السعادة السريعة لا تعالج السبب، بل تؤجل التعامل معه، فيعتاد الإنسان على الهروب بدل الفهم، وعلى التسكين بدل المواجهة، وتضيف إن السعادة المؤقتة تعد من آليات الدفاع النفسية التي يستخدمها الإنسان بشكل غير واعٍ لحماية نفسه من الألم العاطفي، وهي بحد ذاتها ليست خطأ طالما كانت عابرة وغير أساسية في التعامل مع المشاعر.
وتؤكد د.نجاتي أن التعامل الصحي مع المشاعر لا يعني الاستسلام لها أو الغرق فيها، بل الاعتراف بوجودها ومنحها مساحة آمنة للظهور دون مقاومة أو إنكار، وتختم حديثها بالقول: «عندما يسمح الإنسان لنفسه أن يشعر بالحزن أو القلق دون محاولة إسكات هذه المشاعر، يبدأ بفهم الرسائل التي تحملها ويتعامل معها بوعي، فيخفّف حدتها بشكل طبيعي ويحافظ على التوازن النفسي».

Leave a Comment
آخر الأخبار