الحرية – منال الشرع:
يواجه الاقتصاد السوري اليوم مجموعة من التحديات المعقدة التي تؤثر في استقراره ونموه. وفي هذا السياق، يقدم الدكتور فراس شعبو، الباحث الاقتصادي، رؤية تحليلية للواقع الاقتصادي، مشيراً إلى أن الأزمة الحالية ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة لتراكم سياسات اقتصادية سابقة.
أزمة الثقة والسياسات النقدية: من التحديات الأساسية للاقتصاد
يشدد الدكتور شعبو على أن ضعف الاستقرار النقدي والمالي هو من أبرز التحديات الراهنة، ويوضح أن هناك أزمة ثقة في العملة الوطنية والاقتصاد بشكل عام، ويتجسد هذا التحدي في عدة مظاهر رئيسية:
- ضعف استقلالية المصرف المركزي: يعاني المصرف المركزي من ضعف في الاستقلالية، ما يحد من قدرته على التدخل الفعّال في السوق باستخدام أدوات السياسة النقدية التي أصبحت محدودة التأثير.
- التضخم وتآكل الدخول: يترافق انخفاض الثقة مع تضخم مرتفع ومتقلب، ما أثر على استقرار الليرة السورية وجعل التخطيط الاقتصادي والاستثمار مهمة صعبة، ونتيجة لذلك، تتآكل الدخول بشكل كبير ومستمر.
- استنزاف الموارد وسياسة التمويل بالعجز: يؤكد الدكتور شعبو أن احتياطيات النقد الأجنبي منخفضة، وإيرادات الدولة ضعيفة، ورغم ذلك، تستمر الدولة في سياسة التمويل بالعجز عبر طباعة النقود، ما يشير إلى استمرارية الضغوط التضخمية.
- هشاشة النظام المصرفي: يصف الدكتور شعبو النظام المصرفي السوري بأنه يحتاج إلى تطوير ليكون داعماً حقيقياً لاقتصاد يستعد لمرحلة إعادة إعمار تتطلب استثمارات كبيرة.
- التحديات الهيكلية: من اقتصاد منتج إلى اقتصاد استهلاكي، حيث تحوّل الاقتصاد إلى اقتصاد استهلاكي يعتمد على الدعم.
- تراجع القطاعات الحيوية: شهدت قطاعات حيوية تراجعاً واسعاً، بالإضافة إلى تضرر البنية التحتية وارتفاع تكاليف الإنتاج.
- عجز تجاري مزمن: يتجه الميزان التجاري نحو الاستيراد بشكل كبير، والملاحظ أن معظمه استيراد استهلاكي، ويضرب الدكتور شعبو مثالاً باستيراد السيارات الذي تجاوز المليار وربع المليار دولار، ما يستهلك العملة الصعبة.
- البطالة وتوسع القطاع غير المنظم: ترتفع معدلات البطالة بشكل كبير مع انخفاض الأجور، ما أدى إلى توسع كبير في القطاع غير المنظم (غير الرسمي) الذي أصبح يشكل جزءاً كبيراً من الاقتصاد السوري.
- غياب الحوكمة وتراجع التنمية: تكتمل أبعاد الأزمة مع غياب الحوكمة الرشيدة والتنمية المتوازنة، وهو ما يعتبره الدكتور شعبو أزمة حوكمة بالدرجة الأولى.
- غياب الشفافية والمساءلة: يوضح أن الشفافية محدودة، والمساءلة كذلك، ما يتطلب سن قوانين مستقرة وفعّالة لحماية حقوق الملكية وجذب المستثمرين.
- فجوات تنموية كبيرة: توجد فجوة تنموية كبيرة بين المناطق المختلفة.
ويشير الدكتور شعبو إلى أن المشاريع الحالية تتركز على الأنشطة سريعة الربح، مع ضعف الاستثمار في قطاعات حيوية كالتعليم والصحة، ما أسهم في ارتفاع معدلات الفقر.
نحو نموذج تنموي جديد: من إدارة الأزمة إلى بناء الثقة
في ختام تحليله، يشدد الدكتور شعبو على ضرورة الانتقال من إدارة الأزمة إلى إدارة التعافي، ومن ثم إلى بناء نموذج تنموي منتج قائم على الثقة. ويؤكد أن المشكلة في سوريا لا تقتصر على نقص الموارد، بل هي أزمة ثقة وحوكمة بالدرجة الأولى، تتطلب رؤية اقتصادية متكاملة وشاملة.