التصحر يطرق أبواب سوريا… والزراعة الذكية تفتح نافذة الأمل

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية- حسيبة صالح:

يواجه السوريون اليوم تحدياً وجودياً يتجاوز حدود السياسة والاقتصاد، تحدياً يطول الأرض والسماء والإنسان نفسه: التصحر. هذا الخطر لم يعد مجرد تحذير نظري، بل حقيقة يومية تتجلى في الحقول الجافة، في القرى التي فقدت خضرتها، وفي المزارعين الذين يقفون أمام مواسم خاوية.

وقد أشار الدكتور صفوان الحلبي، الباحث في هندسة المياه والبيئة في تصريح لـ”الحرية”، إلى أن تغيّر المناخ في سوريا عبر العقود لم يُقس بمشهد واحد من الجفاف، بل بسلسلة من التحولات المتراكمة التي أثرت على الأمطار والزراعة والموارد المائية.

التغيرات المناخية وانخفاض الأمطار

أوضح الحلبي أن الأمطار التي كانت شريان الحياة للريف السوري، انخفضت بنسبة 54% في موسم 2024‑2025، ووصل العجز في بعض المناطق إلى 69%.

وأضاف: هذا التراجع ليس نتاج سنة ضعيفة فقط، بل تراكم لسنوات من انخفاض الهطول وارتفاع درجات الحرارة بما يتراوح بين 1.1 و1.5 درجة مئوية فوق المتوسط التاريخي، ما يزيد من تبخر التربة وضعف احتجاز الرطوبة فيها.

ورغم أن الساحل السوري ما زال يبدو مستقراً نسبياً، لفت الانتباه إلى أن تأثير البحر المتوسط لا يحميه بالكامل، إذ بدأ التذبذب في الأمطار يظهر حتى هناك.

الزراعة التقليدية تحت الضغط

شدّد الحلبي على أن الزراعة البعلية التي اعتمدت على المطر تراجعت بشكل كبير، وأصبح الاعتماد على الري الصناعي باهظ الثمن أمراً لا مفر منه.

وبيّن أن هذا التراجع أدى إلى تقلّص المساحات المزروعة، وزيادة تكاليف الإنتاج بسبب الاستنزاف السريع للمياه الجوفية، وانخفاض المحاصيل الأساسية مثل القمح والشعير.

وأشار إلى أن تقديرات وزارة الزراعة تؤكد انخفاض إنتاج القمح بنحو 40% في موسم 2025، ليصل إلى 1.2 مليون طن مقابل حاجة تقارب 4 ملايين طن، ما جعل الأمن الغذائي في خطر فعلي.

عوامل تفاقم التصحر

أوضح الحلبي أن التصحر في سوريا ليس نتيجة المناخ وحده، بل هو نتاج تداخل بين عوامل طبيعية وبشرية. فمن جهة طبيعية، هناك ارتفاع الحرارة، انخفاض الأمطار، وانتشار موجات الجفاف الشديدة.

ومن جهة بشرية، الحرب المستمرة منذ 2011 التي دمّرت البنية التحتية للمياه والري، إضافة إلى حفر آبار عشوائية، إزالة الغابات، والرعي الجائر.

وأكد أن هذا التداخل أوجد بيئة مثالية لتدهور مستمر، وما كان يمكن أن يشكل أزمة مرحلية أصبح حالة مزمنة.

خطة متكاملة لمكافحة التصحر

بيّن الحلبي أن مواجهة التصحر تحتاج إلى خطة وطنية متكاملة تشمل:

– التقييم الوطني للموارد الطبيعية عبر مسح شامل للأراضي والمياه.

– حماية التربة والغطاء النباتي بإعادة التشجير ومنع الرعي الجائر.

– إدارة المياه بذكاء من خلال حصاد مياه الأمطار وأنظمة ري حديثة.

– التخطيط الزراعي المستدام عبر زراعة مقاومة للجفاف وتناوب المحاصيل.

– إشراك المجتمع المحلي في التوعية والمشاركة الفعلية.

– دعم البحث العلمي باستخدام الاستشعار عن بعد وتطوير بذور محسنة.

الزراعة الذكية مناخياً

أشار الحلبي إلى أن الزراعة الذكية مناخياً يمكن أن تكون الحل العملي لمواجهة الأزمة. فهي تقوم على دمج التكنولوجيا مع أساليب الزراعة التقليدية لتقليل هدر المياه والتربة.

وأوضح أن الخطوات العملية تشمل تركيب أجهزة استشعار للتربة، استخدام تطبيقات ذكية لإدارة الري، زراعة أشجار مثمرة محلية بين الحقول، واعتماد أنظمة ري حديثة تقلل استهلاك المياه بنسبة 40‑60%.

وأضاف أن الأثر المتوقع هو تحسين إنتاجية الحبوب والخضراوات بنسبة 20‑35% رغم قلة الأمطار، والحفاظ على التربة ومنع انجرافها، ورفع وعي المزارعين.

الإعلام والثقافة: صوت البيئة

الحلبي لفت الانتباه إلى أن الإعلام والثقافة يمكن أن يغيّرا السلوك عبر حملات توعية تربط بين البيئة والحياة اليومية، برامج وثائقية في المدارس والجامعات، وتسليط الضوء على قصص نجاح محلية في مواجهة التصحر.

صورة الأمل لسوريا المستقبل

أخيراً شدّد الحلبي على أن سوريا يمكن أن تكون أرضاً منتجة ومنسجمة مع مواردها الطبيعية، مجتمعاً واعياً يحمي بيئته، ودولة تستثمر في الزراعة المستدامة والتقنيات الحديثة. مواجهة التصحر ليست نهاية الطريق، بل بداية لإعادة بناء علاقة جديدة بين الإنسان وأرضه، بين العلم والإرادة، بين الإعلام والثقافة.

Leave a Comment
آخر الأخبار