الحرية- دينا الحمد:
أي مرحلة مفصلية من تاريخ الدول والشعوب، ولاسيما تلك الخارجة من حروب مدمرة كما هي الحالة السورية التي قام نظامها البائد بتهجير شعبها وتدمير مدنها، أي مرحلة مثل هذه تحتاج همّة أبنائها العالية وخبراتهم في كل الميادين لتنجح عملية إعادة الإعمار وتبنى على أسس سليمة.
وارتباطاً بهذه القاعدة فإن إرادة البناء لا بد أن تتم على أسس راسخة من القانون والانفتاح على الاستثمارات والعلاقات الدولية وصون وحدة الأرض والانفتاح على الآخرين وتصفير المشاكل مع دول الجوار، وهو ما أوضحه الرئيس الشرع في لقائه الأخير مع الإخبارية السورية.
في هذا الحوار لم يتوقف الرئيس عند هذه النقطة الجوهرية، أي الانطلاق من ترسيخ الأسس القانونية والانفتاح على الاستثمارات والعلاقات الدولية فقط، بل توقف مطولاً عند جملة من المسائل المهمة التي لا بد من التركيز عليها كي تسير عملية البناء على سكتها الصحيحة.
أولها أن السياسات العامة للدولة يجب أن تقوم على مبدأ حماية الناس وتأمين أرزاقهم، وهو ما حصل منذ اليوم الأول للتحرير، تماماً مثلما هو الأمر الملقى على عاتق الحكومة التي يجب أن تعمل على جميع المسارات بالتوازي سواء في إعادة الإعمار أو معالجة القضايا السياسية.
وثاني تلك النقاط الاستراتيجية أن يتم ترسيخ فكرة العمل، فمشروع إعادة الإعمار ليس شعاراً بل منهج عمل، نبدأ فيه بما هو متاح وحسب الأولويات، وهنا في هذه النقطة الجوهرية ثمة محطة لا بد من التوقف عندها وتكريس مضامينها، وهي أنه على سوريا ألا تعتمد على المساعدات أو القروض المسيّسة بل على فتح البلاد على الاستثمار وتشجيع المشاريع الاقتصادية بالشراكة مع الدول الصديقة.
أما ثالث تلك القواعد الأساسية في إعادة البناء، فهي ضرورة التنبه لموقع سوريا الاستراتيجي الفريد، فهي تتوسط ثلاث قارات وهي صلة الوصل بين هذه القارات، فضلاً عن أنها ملتقى التجارة بين الشرق والغرب ومهد الحضارات، ما يتطلب الاستفادة من هذا الموقع الفريد، لما فيه خير سوريا والدول الأخرى معاً، وبالتالي ضرورة الاستثمار في التجارة البرية بين الشرق والغرب والتي تمر عبر سوريا، ما يمنحها موقعاً محورياً في تأمين سلاسل الإمداد والطاقة على المستوى العالمي.
كما يمكن لنا التوقف عند رابع تلك الأسس التي يجب البناء عليها وهي ترسيخ وحدة الأراضي السورية وسلامتها واستقلالها، لأن أياً من المرتكزات السابقة سيظل يراوح في مكانه من دون أن نحافظ على وحدة سوريا أرضاً وشعباً، من هنا فإن وحدة البلاد يجب أن تكون خطاً أحمر بنظر أي مواطن سوري، تماماً مثلما أن تكريس الوحدة الوطنية تتم من خلال معالجة الملفات الداخلية بالحوار الوطني.
والواقع فإن هذه النقاط الجوهرية في عملية البناء وإعادة الإعمار تلخص بمجملها ملف الاقتصاد بوصفه العمود الأساسي في مسار التعافي الوطني، والرافعة التي يمكن من خلالها إعادة ترميم المجتمع والدولة معاً، وأول لبنات هذا العمود الاستقلال الاقتصادي بعيداً عن المساعدات والقروض بل بتعزيز القدرة عبر الاعتماد على الذات، التي بدورها ترسخ السيادة الوطنية وتفتح الباب على مصراعيه لتحقيق حياة كريمة للمواطن السوري الذي ينتظر فرصاً اقتصادية واقعية تعزز دخله وتحسن مستوى معيشته، وهذه الحياة الكريمة تكرس وجودها أيضاً البيئة الاستثمارية التي توفر فرص عمل جديدة، وتحرك عجلة الإنتاج، ما ينعكس بشكل مباشر على الاستقرار الاجتماعي والاستقلال الاقتصادي.
التعافي إذاً ليس شعاراً بل أسس لا بد منها تبدأ من إعادة الإعمار عبر ترميم البنية التحتية المدمّرة وتطوير الخدمات الأساسية وتمر بإطلاق عجلة الإنتاج في الصناعة والزراعة وصولاً إلى تحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي، وانتهاء بالانفتاح على دول الإقليم والعالم وجذب الاستثمارات والشراكات الاقتصادية بما يوسّع دائرة التعاون ويؤمن موارد جديدة للدولة والمجتمع بآن معاً.
عبر هذه الأسس تستطيع سوريا الجديدة تثبيت موقعها الإقليمي والدولي الذي خسرته أيام النظام البائد وباتت حينه بلا دور بل أداة وظيفية بيد الآخرين، وعبر هذه الأسس تستطيع بلورة دورها الجديد القديم كحلقة وصل في حركة التجارة العالمية والطاقة بين الغرب والشرق، ثم تالياً بناء بيئة سياسية واقتصادية أكثر انفتاحاً تواكب طموحات السوريين لبناء وطن يليق بهم بعد أن شردهم النظام البائد وأنهكهم الحصار الجائر.
أرض السلام تبني مستقبلها.. أولى لبنات الاستقرار والاستقلال في سوريا الجديدة

Leave a Comment
Leave a Comment