الحرية – مها سلطان:
عيد آخر بتوقيت السوريين وتوقيعهم وهم ينهون شهراً رابعاً على تحرير مستحق يستكمل مساراته، داخلياً وخارجياً، لاستعادة سوريا الوطن، الدولة والشعب، الوحدة والسلم، القوة والمنعة، المكانة والدور، وهم مؤمنون أنهم قادرون على ذلك أياً تكن التحديات والمخاطر، وأن المهمة تحتاج وقتاً، قد يطول.. وإن كان مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، فإنّ إنجاز التحرير لم يكن مجرد خطوة فقط ، بل نصف الطريق إلى الهدف المنشود، من دون الاستهانة بالنصف الآخر فهو الأكثر تحدياً لتثبيت ركائز التحرير، وتالياً ركائز الدولة.
أربعة أشهر، ليست بالمدة الطويلة، لكنها كافية بالنسبة للسوريين لطي ستة عقود من فساد استشرى واستوحش فأنهك ودمر، وكان قاب قوسين من أن يُقنن لهم حتى النَفَس، بعد أن قنن لقمة العيش إلى حد هوى معه 90% من السوريين تحت خط الفقر بدرجات.
أربعة أشهر فقط بعد التحرير، ليست بالمدة الطويلة، لكن ما تمّ إنجازه فيها كبير وممتد. في أي دولة في العالم تشهد ما شهدته سوريا لكانت استغرقت عدة سنين للخروج أولاً من مخاض الانتقال والتغيير، وثانياً للخلاص من تركة ما قبل ذلك، فإذا كانت حالها من حال سوريا ما قبل التحرير، عقود من الاستبداد والظلم متعدد الأوجه والأهداف، ومن الفساد والفوضى، فإن وصولها إلى برِّ الأمان ليس مضموناً، وشهدنا ونشهد أمثلة كثيرة، بينها دول عربية.
لذلك فإن سوريا تمتاز بما أنجزته بعد التحرير، وبأن مسيرة العمل بدأت منذ اليوم الأول وما زالت قائمة. تغيّر وجه سوريا لكنّ قلبَها لم يتغير؛ أرضها، سماءها، ماءها، هواءها. في 8 كانون الأول الماضي، استعاد السوريون سوريا التي تشبههم، وربما يظهر ذلك بصورته الأوضح في الأعياد، ومنها عيد الفطر الذي هو على بعد أيام فقط . في هذا العيد كما في الأعياد التي سبقته ما بعد التحرير، يودِّع السوريون شهراً مباركاً كريماً، مُقبلين على عيد يفرحون ويتفاءلون به ليكون أيضاً مباركاً كريماً على سوريا، وإن كان يعتمر في نفوسهم شيء من القلق والخوف على مستقبلٍ ما زال عرضة لشتى أنواع المخاطر والتهديدات، في منطقة مُلغمة بمخططات خارجية، ولأن هذه المخططات لم تضع كامل أوزارها بعد، فإن المنطقة تبقى حرائقها مشتعلة، ويُصيب سوريا ما يُصيبها من ألسنتها، وهو أكثر ما يُخيف السوريبن ويُبقي قلقهم قائماً مقابل ثقتهم واطمئنانهم لما تتخذه قيادتهم الجديدة من إجراءات أمنية، ومن تشريعات تنظيمية، لإرساء دولة الأمن والقانون والمؤسسات.
لكن للسوريين ميزتهم حتى في مخاوفهم وقلقهم، فهم يتغلبون عليها بطيبتهم وإيمانهم، وبالعمل الدؤوب، وبكثيرٍ من الصبر والمسؤولية. السوريون شعب عامل مجتهد، ينجحون فيما يجتهدون ويعملون، وهذا ما يعزز الثقة ويعيد التفاؤل. وبالمقارنة فإنّ القيادة الجديدة تشبههم وهي التي قضت 14 عاماً في الميادين، لتنجز التحرير، وتنتقل بعده من دون انتظار ولو ليوم واحد، إلى ميادين العمل على مستوى بناء الدولة، لتُظهر تمرّسها في القيادة والإدارة وبما يوسع مسارات الثقة والتفاؤل.
وغالباً ما تكون الأعياد أكثر المناسبات خصوصية لإظهار «معدن» السوريين، ولاسيما الدينية حيث تتجلى مكارم الأخلاق بأبهى صورها، فكيف والحال عندما تأتي هذه الأعياد ممهورة بالتحرير وبتوقيع السوريين، مقترنة بمسيرة عمل دؤوب بخطوات محسوبة ومدروسة، ولن تتوقف هذه المسيرة بل إنّ القيادة الجديدة تبدي عزيمة لا تلين لاستكمال تحولات واجبة ولازمة مهما كانت التهديدات والتحديات.
في الأسواق والشوارع والحارات لا يمكن إلّا أن تلمس حياة مختلفة للسوريين في هذا العيد، عيد الفطر، الذي يُقبل على السوريين هذا العام، عيداً ممتلئاً بالأمل والإيمان بأن الغد سيكون أفضل، وليكن هذه المرة المعني الأساسي هو السوريين أنفسهم، وليكن المقياس هو أن نُبقي على الأمل ونحصّن ما أمكن إيماننا بأننا قادرون على إنجاز البناء كما أنجزنا التحرير، ليكن منطلقنا وطن نحميه معاً ونبنيه معاً، ليكن كلُّ عيد في سوريا هو عيد لكل الوطن، لكل السوريين.
أعياد ما بعد التحرير.. فطر سعيد بحجم وطن.. هذه المرة لن يسأل السوريون بأي حال عدت يا عيد؟

Leave a Comment
Leave a Comment