أغنية وموال

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية – علي الرّاعي:

“من لم يستطع، أو تستطيع أداء الموّال، حتى لا أقول تأليفه أيضاً؛ فهو ليس مطرباً، وليست مُطربة”.. ذلك ما تردد على لسان أكثر من ناقدٍ للموسيقا والغناء.. هو قد يكون مُغنياً جيداً، لكنه بالتأكيد ليس مُطرباً، وشتّان ما بين المُطرب والمُغني، لاسيما إن كان هذا المُطرب من بلاد الشام؛ ففي هذه البلاد كان منشأ هذا اللون الغنائي، والذي أصبحَ ملمحاً ثقافياً أيضاً لاسيما على صعيد التأليف والأداء، وذلك للتحدي الكامن فيهما..

فعلى صعيد النص؛ فإنّ كلمات لا تتعدى الخمسين كلمة، هي كافية لتسرد من خلالها، ما يُمكن أن تسرده رواية، ومن ثمّ فالتحدي هنا يكمن في التكثيف أولاً وفي الشروط الصارمة والوزن، فكما هو معروف؛ فإنّ موّال العتابا، هو أحد أنواع الزجل الستة عشر والتي هي أي الزجل الذي تقوم عليه تسعين بالمئة من الأغاني العربية في بلاد الشام والرافدين على وجه الخصوص..

غير أن موال العتابا الذي يقوم على أشطرٍ ثلاثة بذات التفعيلات لكلمات لا تتجاوز الثلاثة، يُمكن أن يكون فصيحاً، وهذا نادراً، ويُمكن أن يكون بالمحكية، تلك الأشطر الثلاثة تنتهي بذات الكلمة، غير أنها تختلف بالمعنى حسب مجيئها في نهاية التركيب، وهنا “جناس” لتحدٍ آخر، أشطر ثلاثة تُختم، والأصح تُقفل بشطر رابع، ويُسمى القفلة، والذي عليه رد الباب على البيت، ذلك أن نص الموال بكامله يُطلق عليه “بيت عتابا” أيضاً، ذلك الباب الذي يُقفل على البيت ينتهي بخاتمة الحكاية وهي كلمة تنتهي بالباء الساكن، وفي حالات أخرى بحرفي النون ألف “نا” والتي تتبع هنا بجمل “الميجنا” الكثيرة، أي ما يتطلب شطراً خامساً..

أما على صعيد الأداء فيحتاج الموال إلى التلوين الأمر الذي يتطلب قدرات صوتية هائلة لأداء هذه التنويعات بين قرار الصوت وجوابه، ولذلك كان المطربون الذين يؤدون الموّال قلة، ويشهد لهم بالتمكن والحرفية..

الموّال الذي كان يُقدم قبل أقل من عشرين سنة مرت في كل أغنية مهما كانت شواغلها، وأحياناً تصل المواويل في الأغنية إلى ثلاثة، موّال قد يبدأ به المطرب في أول الأغنية، أو قد يؤجله لمنتصفها أو في ختامها، وفي كل الحالات ليس من أغنية دون أن تُرفق أو تتضمن موالاً.. وفي ذلك الزمن ظهر عمالقة الأغنية في بلاد الشام الذين لاتزال الذاكرة مُفعمة بمواويلهم.. إلى أن تخلت الأغنية عن الموال عند الكثير من المُغنين، وذلك بعد احتكار الفضائيات، التي كانت أول حروبها أعلنتها على الموال، وبخسارته ضاعت الأغنية في هباء “الكليب”..

الوسوم:
Leave a Comment
آخر الأخبار