الحرية – وداد محفوض:
تلامس فرشاتها الورق فتنبض الألوان بالحياة، ومن بين ضرباتٍ واثقة تولد لوحة تمتزج فيها ملامح الواقع برحابة الخيال. كل عمل فني تقدمه سارا محمود ليس مجرد رسم، بل حكاية صامتة، وبوح داخلي لم يُكتب بعد، ورسالة تعبّر عن ذاتها بصدق وعمق.
صحيفتنا “الحرية” التقت الفنانة الشابة سارا محمود (23 عاماً)، طالبة الطب البشري في سنتها السادسة، التي أكدت أن علاقتها بالألوان بدأت منذ الطفولة، حين رأت في الفرشاة وسيلة لاكتشاف ذاتها، ومفتاحاً لآفاق إبداعية لا حدود لها. فالفن، بالنسبة لها، لم يكن يوماً هواية عابرة، بل رفيق دائم في رحلة النمو والبحث عن المعنى.
وأضافت محمود : أن الرسم يمنح الفنان قدرة فريدة على التعبير دون كلمات، والوصول إلى مناطق شعورية يصعب لمسها بالحديث المباشر. ومع مرور الوقت، ازداد شغفها بالفن، وتحولت الهواية إلى مسار طويل من التطور والتجربة والتعبير. وبين متطلبات الدراسة الطبية الشاقة وضغوط الحياة اليومية، كانت الفرشاة ملاذها الآمن، تمنحها القوة للاستمرار، وتساعدها على إعادة رسم العالم كما تراه وتشعر به.
وأوضحت أن الرسم شكّل منذ طفولتها أحد أهم وسائل التعبير عن نفسها، حتى أصبحت اللحظات التي تمسك فيها بالقلم أو الفرشاة الأكثر قدرة على تعزيز توازنها الداخلي. ومع تطور مهاراتها تدريجياً، ولا سيما خلال المرحلة الجامعية، قررت مشاركة شغفها مع الآخرين عبر منصات التواصل الاجتماعي. وفي السنة الثالثة من دراستها، بدأت بالعمل الجاد على تطوير حسابها في «إنستغرام» لعرض أعمالها الفنية والتفاعل مع جمهور أوسع.
وعن بداياتها الفنية، أشارت محمود إلى أنها انطلقت باستخدام أقلام الرصاص والفحم، قبل أن تنتقل لاحقاً إلى الألوان الأكريليك، التي أضافت عمقاً بصرياً وتعبيرياً مميزاً لأعمالها. ومع هذا التطور، حوّلت شغفها إلى مشروع فني خاص أطلقت عليه اسم «بلكون»، وهو مشروع قائم على الرسم على المرايا، حيث استخدمت هذه الخامة غير التقليدية كوسيلة تأثير بصري تعكس العلاقة المعقدة بين الفن والواقع، وبين الصورة والذات.

ولم تكتفِ بذلك، بل قررت الخروج من حدود الورق والمرآة إلى فضاء أوسع، فتوجهت إلى الجدران. شاركت في رسم الجداريات في شوارع مدينة طرطوس، وكانت عضواً في فريق فني تطوعي نفذ جدارية كبيرة على سور كلية الآداب، تمثلت برسم طوابع بريدية تحمل معالم من مدينة طرطوس. وتصف هذه التجربة بأنها فريدة واستثنائية، إذ رأت خلالها كيف يمكن للفن أن يلامس قلوب المارة مباشرة، وأن يتحول إلى لغة بصرية تعبّر عن هوية المدينة وثقافتها وأصالتها.
ولفتت محمود إلى أن ما بدأ كهواية بسيطة تطور تدريجياً ليصبح مشروع حياتها. فمن خلال منصة «إنستغرام»، تنشر أعمالها الفنية على شكل مقاطع «ريلز»، محققة تفاعلاً واسعاً مع جمهور متنوع من أماكن مختلفة، كما أصبح هذا النشاط مصدراً لدخل مادي، ولو بشكل محدود، تستثمره في دعم مسيرتها الفنية وتطوير أدواتها.
أما عن طموحاتها المستقبلية، فأكدت محمود أنها تسعى إلى إيصال رسالتها الفنية إلى أكبر شريحة ممكنة من المتلقين، وتطمح إلى تطوير أسلوبها الخاص وصقل هويتها الفنية بما يعكس تجربتها الإنسانية ورؤيتها الجمالية، لتصل بأعمالها إلى فضاءات أوسع، محلياً وعالمياً. وشددت على أن الرسم سيبقى دائماً ملاذها الأول، ومصدر سلامها النفسي، حيث تجد فيه المساحة الأصدق للتعبير عن أفكارها ومشاعرها كلما احتاجت إلى التفريغ والبوح. إنه عالمها الخاص الذي لا ترغب في مفارقته.
وفي ختام حديثها، وجهت محمود رسالة إلى كل شاب وشابة، داعية إياهم إلى الإيمان بذواتهم وعدم الخوف من إطلاق قدراتهم الفنية، مؤكدة أن الاستمرار والمحاولة هما المفتاح الحقيقي للوصول إلى الأهداف، مهما بدت بعيدة أو صعبة المنال.