الحرية- ثناء عليان:
تحت عنوان “الوطن في الموسيقا” أقامت جمعية “أصدقاء الموسيقا” في طرطوس أول أمس الخميس ندوة فنية لنادي الاستماع والمشاهدة، حيث قدم المايسترو بشر عيسى خلالها ألحاناً وأغاني عن الأرض والحب والحنين مختارة من روائع الموسيقا العالمية والعربية، إضافة إلى دراسة جمالية وتحليلية، مستعرضاً تطور تناول الوطن في الألحان العالمية عبر العصور.
وبيّن عيسى أثر عصر التنوير على مرحلة الموسيقا الكلاسيكية (1730-1820)، التي كانت تبحث عن الجمال المجرد في الطبيعة، أكثر من البحث عن مفهوم الانتماء إلى الأرض، كمثال على ذلك، ما جسدته السيمفونية رقم 40 لموزارت، حيث تبدو نغماً متماسكاً، منسجماً، لا يتبع عاطفة وطنية، ولا يحكي قصة أرض أو ذاكرة شعب.
وتطرق الموسيقا وفق ما طرحه عيسى لمرحلة تفجر الهوية القومية في العصر الرومنسي (1815 – 1910)، كرد فعل على الرغبة في التحرر من الاستبداد. تصاعد الاهتمام الروحاني الجديد بالوطن والهوية الوطنية، متمثلاً في مقطوعات مثل “بلادي – Má Vlast” للموسيقي التشيكي بيدريش سميتانا، والتي كتبها وهو أصم، وجسدت بلده بجباله وأنهاره وذكرياته، مع التركيز على الدراما والاستخدام المكثف للأوركسترا.
كما استعرض المايسترو عيسى أيضاً مقطوعة “مزاج الصباح” للموسيقي النرويجي إدوارد غريغ، والمعبرة عن صوت السكون الذي يسبق حركة الحياة، وموسيقا البلاد حين تكون الطبيعة هي الناطقة باسمها. مستعرضاً سيمفونية “فنلنديا”، التي كتبها الموسيقي جان سيبيليوس لوطنه فنلندا تحت الاحتلال الروسي القيصري، حيث كانت الهوية الوطنية تمحى تدريجياً. لحن ثوري متصاعد أخاف هتلر فقرر منع عزفه في فنلندا أيام النازية. يقال إنه النشيد غير الرسمي للدولة حتى اليوم.
ثم استمع الحضور إلى “الرابْسُودي الروماني” للموسيقي جورج أونيسكو، الذي صاغ لحناً شعبياً لتعزفه أوركسترا متكاملة. تبدو المقطوعة احتفالاً صاخباً بالوطن، بالحياة الريفية، والأعراس، والمواويل، والرقصات التي توارثها الناس جيلاً بعد جيل، كما استمعوا إلى “أغنية الوديان الثلاثة”، التي كتبها الكاهن يانكو نيكولا وفلاح يدعى يانكو أوليب، ولحنها بافلي كيرنياك. أغنية ولدت من أرض سلوفينية متنازع عليها مع النمسا، ومهمشة ثقافياً. تمثل الأغنية قيم التشبث بالهوية في وجه الذوبان.
وفي الختام أشار المايسترو عيسى إلى دور الأغنية العربية متمثلاً بـ”بلدي” للمطرب اللبناني زكي ناصيف، الذي استعار بيتاً للمتنبي، ووظفه لتأكيد أن الحب للوطن لا يقاس بالراحة أو المصالح، بل بالانتماء غير المشروط.
أمسية عن الوطن والحب في جمعية “أصدقاء الموسيقا” بطرطوس

Leave a Comment
Leave a Comment