الحرية – إلهام عثمان:
أكد مدير عام غرفة تجارة دمشق، الدكتور عامر خربوطلي، أن التعليم المهني يشكّل ركيزة أساسية لدعم الاقتصاد الوطني، مشيراً إلى وجود فجوة واضحة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل في سوريا، الأمر الذي يستدعي مراجعة شاملة للسياسات التعليمية الحالية.
وفي حديث خاص لصحيفة “الحرية”، أوضح خربوطلي أن تمت إقامت ورشة عمل ناقشت خلالها الآفاق المستقبلية للتعليم المهني في سوريا، حيث جرى التواصل مع خبراء من فنلندا الذين عرضوا تجربتهم الرائدة والناجحة على مستوى الاتحاد الأوروبي والعالم.
فجوة الأرقام
ولفت خربوطلي إلى التباين الصارخ في توجهات الطلاب نحو التعليم المهني بين سوريا ودولة متقدمة كفنلندا، ففي الوقت الذي يتوجه فيه نحو 43% من طلاب فنلندا إلى التعليم المهني مقابل النسبة المتبقية للتعليم العام، لا يستقطب التعليم المهني في سوريا أكثر من 3% من الطلاب.
مشكلة لم تجد طريقها للحل
وأوضح أن هذا التباين يعكس إشكالاً هيكلياً وفجوة عميقة تفصل بين ما يقدمه النظام التعليمي وما يحتاجه سوق العمل السوري بجميع مكوناته، سواء في القطاع العام أو الخاص، أو في قطاعاته الزراعية والصناعية والتجارية والخدمية والتكنولوجية.
وأكد أن السوق تبحث عن أشخاص مهنيين أكفاء وليس فقط عن أصحاب شهادات جامعية، إلا أن عددهم قليل جداً، ما يثبت أن المشكلة لم تجد طريقها للحل حتى الآن.

خربوطلي: سوق العمل تبحث عن أشخاص مهنيين أكفاء وليس عن أصحاب شهادات جامعية
حاجة أكثر إلحاحاً
وأشار خربوطلي إلى أن إعادة الإعمار والاقتصاد المتجدد في سوريا يفرضان الحاجة الماسة إلى التعليم المهني، قائلاً: «إذا كانت فنلندا، وهي دولة غنية ومتقدمة، تحتاج إلى هذا العدد الكبير من المحترفين المهنيين، فإن الحاجة تصبح أكثر إلحاحاً للاقتصاد السوري الخارج من مرحلة تراجع ودمار هي الأصعب في تاريخه الحديث».
وأضاف إن مرحلة إعادة البناء والإعمار هي الأهم، وتتطلب جيشاً من الكفاءات المهنية المتدربة والمتخصصة والقادرة على دخول سوق العمل مباشرةً، مع ما يتطلبه ذلك من خبرات ومهارات عملية ونظرية عالية.
النموذج الفنلندي خارطة طريق للإصلاح..
واستناداً إلى التجربة الفنلندية المتطورة، قدم خربوطلي مجموعة من المتطلبات الأساسية لإصلاح مسار التعليم المهني في سوريا، أبرزها ضرورة وجود مسار أكاديمي/مهني متكامل يتيح الدخول المباشر إلى سوق العمل، مع التركيز على الجانب العملي بحيث لا تقل نسبة التدريب والتجربة العملية أثناء الدراسة عن 70% من الوقت المتاح.
كما شدد على أهمية الاعتراف بالخبرات والمعارف والهوايات والمهارات السابقة لدى الراغبين بالتعليم المهني والبناء عليها، ليكون المسار اختيارياً لا إجبارياً، مؤكداً على ضرورة تطبيق معايير جودة عالمية لقياس كفاءة التعليم المهني، وهو ما لا يتوفر حالياً في التجربة السورية، مشيراً إلى أن 50% من رواد الأعمال يبدؤون مسيرتهم قبل سن الثامنة عشرة.
وأضاف إن الإصلاح يتطلب وجود تشريعات ومهارات وطنية تحاكي أولويات التنمية الاقتصادية، في إطار رؤية مستقبلية واضحة، وخلق شراكات فعالة مع الشركات والمؤسسات للتدريب أثناء الدراسة، بدلاً من الاقتصار على إطار التلمذة الصناعية التقليدي المعمول به حالياً.
كما دعا إلى وضع خريطة واضحة للمهارات والخبرات المطلوبة في سوق العمل، والتشبيك مع أصحاب الأعمال المستفيدين من التعليم المهني، سواء من غرف التجارة أو الصناعة أو الزراعة، مؤكداً أن ذلك أمر بالغ الأهمية لسوريا.
وأشار أيضاً إلى ضرورة التطوير المستمر لبرامج التعليم المهني والخبرات المتراكمة للمدرسين، واستخدام الذكاء الاصطناعي والمهارات الإبداعية، وصولاً إلى أعلى درجات المعرفة الفنية والتقنية والتعليمية عبر الكليات التطبيقية، وهو مسار غير مكتمل في سوريا حتى الآن.
جيش من الكفاءات
وختم خربوطلي حديثه بالتأكيد على أن نجاح أي نظام تعليم مهني يعتمد بشكل حاسم على الربط الفعّال بين مخرجات هذا التعليم بجميع تفرعاته (صناعي/تكنولوجي/تجاري) ومتطلبات أسواق العمل بمختلف مكوناتها، مضيفاً إن سوريا الجديدة واقتصادها المتجدد، المعتمد على المبادرة الفردية والاقتصاد الحر التنافسي، يحتاج إلى جيش من الكفاءات المهنية المتدربة والمتخصصة والقادرة على المنافسة والدخول الفوري إلى سوق العمل.