الحرية- دينا عبد:
تؤثر المشاعر في حياة الإنسان، لأنها في جميع جوانبه بما في ذلك سلوكه وعلاقاته وصحته النفسية والجسدية، فهي ليست مجرد أحاسيس داخلية بل قوى دافعة توجه أفعالنا وتشكلتجاربنا. فالأطفال يعيشون المشاعر منذ لحظاتهم الأولى وتكون وسيلتهم للتعبير عن أنفسهم حتى قبل أن يتعلموا النطق والبكاء، الابتسامة، الغضب، الخوف والحزن جميعها مشاعر يتعرّف إليها الإنسان في دورة حياته.
وبقدر ما قد يجد الإنسان صعوبة في التعامل مع مشاعره وفهمها فإن الأطفال يواجهون صعوبة أكبر في إدراك المشاعر التي يمرون بها في بداية حياتهم. مشاعر متضاربة..
تقول سمية وهي أم لطفلة بعمر العشر سنوات: الأطفال يمرون بمشاعر متضاربة يصعب على الأهل فهمها أو إدراك حجم التخبط الذي يعيشه قلبهم الصغير، وفي ظل جهل بعض الأهل بكيفية احتواء أبنائهم قد يقع الطفل ضحية لمشاعره ويؤذي نفسه.
وهنا يظهر دور الأهل في احتواء أطفالهم وتعليمهم كيفية التعبير عن مشاعرهم بطريقة صحية وآمنة والأهم من ذلك حاجتهم إلى فهم أطفالهم بعمق، دون التقليل من قيمتها.
جذب انتباه الآخرين
الاستشارية التربوية ربا ناصر بيّنت في حديثها لـ”الحرية” أن الطفل يحب جذب انتباه الآخرين سواء كان عماً أو خالاً حتى يحس بكينونته وشخصيته، ومن المهم خلق بيئة آمنة يشعر فيها الطفل أن جميعَ مشاعره مقبولةٌ، المنزل ينبغي أن يكون ملاذاً للتعبير عن كل ما يفكر به سواء إيجابي أو سلبي، فالتعبير اللفظي قد لا يكون الخيار الوحيد، لذلك يجب على الأهل تشجيع الطفل ليعبّر بطرق مختلفة مثل الرسم أو الكتابة أو حتى اللعب. هذا يمنحه مساحة للتعبير عن نفسه بطريقة تناسب شخصيته، فعندما أهمل مشاعر الطفل سيتعرض للانزواء وممكن أن تصل به الحالة إلى الاكتئاب.
قدوة حسنة
تقول الاستشارية التربوية ربا ناصر أن الأهل يجب أن يكونوا قدوة حسنة
لطفلهم، فمشاهدة الأخير لوالديه وهما يعبّران عن مشاعرهما بصدق ووعي سيتعلّم بشكل غير مباشر كيف يدير مشاعره ويعبّر عنها بكل ثقة. وكذلك يجب أن يكون لدى الأهل وعي بمشاعر الطفل وأن يعطوه حقه سواء بالنظر، التواصل البصري، تخصيص أوقات للنقاش والحوار، أو ممكن مثلاً تحضير فنجان قهوة للأم وكوب عصير للطفل ويبدأ الحديث عن إحساسه وما يزعجه وغير ذلك.
إعطاء أهمية
فالموضوع بحسب ناصر مهما كان بسيطاً يجب إعطاؤه الأهمية بأن ما طرحه الطفل في غاية الأهمية ومن هنا يوضح مشاعره. إضافة لذلك يجب تعليمه احترام مشاعر الآخرين، لأنها تسهم في بناء شخصيته المتعاطفة من خلال تشجيعه على طرح أسئلة مثل: بمَ تشعر؟ وكيف أستطيع مساعدتك سواء طرح هذه التساؤلات على أهله أو في المدرسة.
وتؤكد ناصر أن توفر البيئة الأسرية الداعمة ستكون بكل تأكيد حماية قوية للأطفال من الانحرافات السلوكية فعندما يجد الطفل أن مشاعره واحتياجاته العاطفية تتم تلبيتها داخل الأسرة تقل حاجته للبحث عن الدعم أو القبول خارجها، وبهذا تصبح الأسرة بمنزلة درع واق يحمي الطفل من المخاطر الخارجية ويوفر له أساساً آمناً يمكنه الانطلاق من خلاله لبناء شخصية سليمة وواثقة، فالتربية عملية مستمرة ولا تقف عند حد معين. وتختتم ناصر حديثها بتوجيه نصيحة للأهل بقولها : الطفل لا يحتاج فقط إلى أن تُطعمه وتلبسه وتُدرّسه فحسب، بل يحتاج قبل كل شيء إلى أن تُفسّر له عالمه الداخلي، أن تجلس بجانبه وتقول له: “أنا أفهمك، أنا موجودة معك”.